إعلام

الآلة الدعائية للحوثيين تغطي إخفاقات الجماعة عبر إلقاء المسؤولية على الآخرين

مستخدمين مهارات دعائية تعلموها من إيران وحزب الله، استخدم الحوثيون هجمات البحر الأحمر لتحويل الانتباه عن إخفاقاتهم.

مقاتلون حوثيون يرفعون أسلحتهم خلال مسيرة ’داعمة للفلسطينيين‘ في صنعاء يوم 11 كانون الثاني/يناير. اتهمت الجماعة المدعومة من إيران باستغلال القضية الفلسطينية لأغراضها الخاصة. [محمد حويس/وكالة الصحافة الفرنسية]
مقاتلون حوثيون يرفعون أسلحتهم خلال مسيرة ’داعمة للفلسطينيين‘ في صنعاء يوم 11 كانون الثاني/يناير. اتهمت الجماعة المدعومة من إيران باستغلال القضية الفلسطينية لأغراضها الخاصة. [محمد حويس/وكالة الصحافة الفرنسية]

فريق عمل الفاصل |

على مر السنوات، طور الحوثيون المدعومون من إيران آلة دعائية قوية، تضاعف نشاطها خلال الأشهر الماضية في ظل مساعي الجماعة الرامية إلى تحويل إخفاقاتها المتعددة في اليمن إلى قصة نجاح.

واستثمر الحوثيون بصورة كبيرة في آلتهم الدعائية التي صممت على غرار آلة حزب الله اللبناني وطورت بدعم فني منه، ما سمح لهم بالسيطرة على حصة كبيرة من سوق الإعلام اليمني.

وتعتمد الجماعة اليوم على شبكتها الإعلامية لحشد الدعم المحلي والدولي من جديد بعد تراجعه بوتيرة سريعة، وذلك عبر استغلال موجهة التعاطف مع القضية الفلسطينية من أجل تنفيذ الهجمات في البحر الأحمر.

وعلى منوال الجهة التي تدعمهم، أي إيران، يعتمد الحوثيون على تكتيك اللوم محاولين تحميل الغرب مسؤولية موجة العنف الحالية، رغم مواصلتهم تهديداتهم وهجماتهم على الشحن التجاري الدولي.

الشخصية المعروفة على تيك توك راشد الحداد، 19 عاما، يجيب عن أسئلة خلال مقابلة في منزله بالعاصمة صنعاء الخاضعة للحوثيين يوم 18 كانون الثاني/يناير. حصدت زيارة الحداد المصورة لناقلة الآليات غالاكسي ليدر التي خطفها الحوثيون في تشرين الثاني/نوفمبر ملايين المشاهدات. [محمد حويس/وكالة الصحافة الفرنسية]
الشخصية المعروفة على تيك توك راشد الحداد، 19 عاما، يجيب عن أسئلة خلال مقابلة في منزله بالعاصمة صنعاء الخاضعة للحوثيين يوم 18 كانون الثاني/يناير. حصدت زيارة الحداد المصورة لناقلة الآليات غالاكسي ليدر التي خطفها الحوثيون في تشرين الثاني/نوفمبر ملايين المشاهدات. [محمد حويس/وكالة الصحافة الفرنسية]

الإخفاقات المحلية للحوثيين

وفي هذا السياق، قالت الصحافية في الإذاعة الوطنية العامة، فاطمة تانيس، في مقابلة أجريت بتاريخ 22 كانون الأول/ديسمبر مع أحمد ناجي، كبير المحللين بالشأن اليمني في مجموعة الأزمات، إن "الحوثيين لا يتمتعون على أرض الواقع بشعبية بين اليمنيين".

وأضافت أن الصراع اليمني الذي أشعله انقلاب الحوثيين في أيلول/سبتمبر 2014، "تسبب بمعاناة هائلة وأسفر عن مقتل الآلاف. وأدى ذلك إلى المجاعة والأمراض".

وتابعت "في حين يسيطر الحوثيون على أرض الواقع على مناطق من اليمن بما في ذلك صنعاء، إلا أنهم لم يوفروا المساعدة أو الخدمات للشعب ولم يدفعوا حتى رواتبهم".

وذكر ناجي أن التصعيد الحالي في البحر الأحمر صرف الانتباه عن الظروف القاسية التي يمر بها الداخل اليمني.

وقال للإذاعة الوطنية العامة إن الحوثيين "يقولون اليوم للناس، انظروا إننا الآن في حالة حرب، ولكنها حرب مختلفة وعليكم التزام الصمت. ولذلك، لا نستطيع تأمين أي شيء لكم".

ولفتت تانيس إلى أنه تم إحباط غالبية الهجمات الحوثية على السفن في البحر الأحمر والمياه المحيطة.

ولكن أضافت أن "الجيش الحوثي ينشر فيديوهات وأغان دعائية، معززا مكانته خارج حدود اليمن وفي المنطقة المتضامنة مع الفلسطينيين".

استغلال القضية الفلسطينية

بدوره، قال الباحث في معهد الشرق الأوسط إبراهيم جلال في مقابلة أجراها في 19 كانون الثاني/يناير مع قناة فرانس 24، إن هناك أسباب عديدة داخلية وخارجية لإصرار الحوثيين على زعمهم أن هجماتهم هي تضامنا مع غزة.

وأوضح "أولا أراد الحوثيون حشد دعم شعبي في وقت كان هذا الدعم يتراجع محليا"، لافتا إلى الاحتجاجات الشعبية التي شهدها اليمن ضد الحوثيين وإضراب المعلمين على خلفية عدم دفع رواتبهم.

واتهم الحوثيين "باستغلال القضية الفلسطينية لمحاولة التأثير على عواطف ملايين العرب في المنطقة الذين لا يفهمون ديناميكية الوضع وتعقيده".

وذكر أن كثيرين في المنطقة "لا يعرفون فعليا من هم الحوثيين وما يفعلون وما يريدون".

وأشار إلى أن "الحوثيين تعلموا تقنيات ذكية في الدعاية والتضليل"، ويستخدمون التصعيد في البحر الأحمر لزعم أنهم "في مواجهة مع القوة العظمى الوحيدة أي الولايات المتحدة".

وأضاف أن هذا الأمر يخدم أهدافهم بالحشد والتجنيد حتى لو بشكل مؤقت، "ذلك أنه فور أن ينتهي هذا الوضع، سيعود الناس للتركيز على أولويات الحياة اليومية الأساسية، أي الحوكمة الجيدة والرواتب والخدمات الأساسية وفرص التقدم على الصعيد المهني والشخصي".

استراتيجية دعائية راسخة

جاء في تقرير للعربي الجديد بتاريخ 12 نيسان/أبريل 2015، أن "الاستراتيجية الدعائية للحوثيين لم تبدأ من لا شيء وتنطبع بالسمات المميزة للآلة الدعائية الخاصة بحزب الله اللبناني في الخطاب والشكل".

وذكر التقرير أن "الحوثيين طوروا استراتيجيتهم الإعلامية الخاصة بهم من أجل نشر دعايتهم. فأنتجوا تقارير إخبارية وصورا وفيديوهات وسربوا المعلومات إلى الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي".

وتابع أن الجماعة بدأت "تغطيتها الإعلامية الممنهجة" بطلب من مؤسسها حسين بدر الدين الحوثي. "وكان الهدف توثيق منصته الدينية والأيديولوجية التي كانت جديدة بالنسبة لليمن والترويج لها".

وقال التقرير إن "الإعلام الحوثي مثل آلة حزب الله الإعلامية، له طابع ديني ويركز على مسائل منها المؤامرة الأميركية-الإسرائيلية الشاملة و’التواطؤ‘ العربي".

وأضاف أن "الحوثيين يلمحون أيضا إلى مؤامرات مع تبرئة أنفسهم من أي مسؤولية".

وأشار إلى أن طريقة إلقاء زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي خطاباته "هي من وحي خطابات وأداء" أمين عام حزب الله حسن نصر الله.

وذكر أن "ذلك ينعكس في طريقة تقليده لهجة نصر الله وتصرفاته وخطابه".

ذراع إعلامي فعال

هذا وأنشأ الحوثيون ذراعا إعلاميا فعالة بدعم فني من حزب الله بحسب ما زُعم، ويتألف من محطات إذاعة وتلفزيون إضافة إلى العمليات الإعلامية المدارة من الدولة والتي سيطروا عليها خلال الانقلاب المنفذ عام 2014.

وتستخدم الجماعة أيضا رسوما جدارية ولافتات لنشر رسائلها.

وفي هذا الإطار، قال المركز اليمني للسياسات في تقرير صدر في كانون الأول/ديسمبر 2021 أنه "على مدى سنوات، سلطت وسائل الإعلام التابعة للحوثي الضوء على أهمية دور الإعلام في الحرب الحديثة".

وللحفاظ على ميزة تنافسية في الرسائل العامة والروايات الإعلامية، "يستثمر الحوثيون في مجموعة من وسائل الإعلام والإنتاجات الفنية، علما أن بعضها ينشر معلومات مضللة بشأن أعداء الجماعة والصراع المتواصل".

وذكر المركز أن "الأعمال الوثائقية والمقالات ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي والرسوم المتحركة المنشورة على المنصات الموالية للحوثيين... تسلط الضوء على اهتمام هؤلاء بتوجيه الرواية الإعلامية والتأثير عليها في الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم".

وجاء في التقرير أن "الإنتاجات الإعلامية للحوثيين تتصف بمحتوى متنوع ومسل ومقنع"، بما في ذلك برامج للنساء وعروض للأطفال وبرامج درامية قصيرة وأعمال وثائقية.

وتابع أنه غالبا ما يتم تكييف الزوامل (القصائد الحربية) وتحويلها إلى فيديوهات موسيقية، ما يؤشر إلى "احتمال أن تكون الاستراتيجية متمثلة بتزويد الجماهير في شمالي اليمن بمحتوى كبير وواسع يغنيها عن الاطلاع على أي إعلام غير الإعلام الحوثي".

اعتماد تكتيك إلقاء المسؤولية على الآخرين

على الرغم من عدم وجود أي رابط حقيقي بين الحوثيين وغزة، إلا أنهم يزعمون الدفاع عنها عبر مهاجمة السفن التجارية وزرع ألغام بحرية في البحر الأحمر.

وتسببت هجمات الجماعة العشوائية على السفن التجارية بتعطيل كبير لعمليات الشحن، وأضرت باقتصادات الدول العربية في المنطقة.

وحتى اليوم، أدت الألغام البحرية التي زرعها الحوثيون إلى مقتل أكثر من مائة صياد يمني، ما حرم عائلاتهم من لقمة العيش.

وتظهر أدلة وتقارير كثيرة أن إيران تؤمن المسيرات والصواريخ والألغام البحرية التي يستخدمها الحوثيون، إلى جانب التدريب الضروري ونقل التقنيات لتصنيع الأسلحة واستخدامها.

وفي هذا السياق، قال أستاذ محاضر في العلوم السياسية يقيم في إيران لموقع الفاصل شريطة عدم الكشف عن اسمه، إن "الحوثيين تعلموا من سادتهم".

وأوضح أن "النظام الإيراني يزود الميليشيا الحوثية التابعة له بالأسلحة والتدريب والتكنولوجيا، وقد دعمها وساعدها على مر السنوات لتنفيذ أفعالها المدمرة في المنطقة".

وتابع أن "الأساليب والمصطلحات التي يستخدمها [الحوثيون] مطابقة تماما للخطاب المناهض للغرب وللولايات المتحدة تحديدا الذي تعتمده الجمهورية الإسلامية".

وذكر أن "إلقاء المسؤولية على الآخرين هو أسلوبهم، أكان بالنسبة للنظام الإيراني أو الحوثيين المدعومين من إيران".

وأشار إلى أن "تحميل إسرائيل والغرب، ولا سيما الولايات المتحدة والعقوبات التي فرضتها على إيران، مسؤولية كل مشكلة يعاني منها الشعب الإيراني تقريبا، هو سياسة طهران الدائمة وقد تعلم الحوثيون ذلك جيدا".

"وأضاف أن "اليمنيين يعانون من المجاعة ويواجهون خطرا بيئيا، ولكن يغض الحوثيون الطرف عن كل ذلك ويفعلون تماما ما فعلته الجمهورية الإسلامية بالإيرانيين خلال السنوات الـ 43 الماضية".

وختم قائلا "عبر صقل مهاراتهم الدعائية وقدراتهم على الكذب وأسلوبهم بلوم عدو وهمي ودائم، أثبت الحوثيون أنهم طلاب خاضعون لطهران".

هل أعجبك هذا المقال؟


يرجى إدخال الأرقام *