إقتصاد

اتفاق الغاز مع الاتحاد الأوروبي يعكس قرار القاهرة الاستراتيجي بالحد من النفوذ الروسي

يتضمن اتفاق الشراكة الاستراتيجية الجديد تقديم المليارات في صورة ائتمان لمساعدة مصر على مواجهة أزمة اقتصادية حادة وزيادة تدفقات الغاز والطاقة لأوروبا.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يوقعان على اتفاق ’شراكة استراتيجية وشاملة‘ جديد يوم 17 آذار/مارس. [الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية]
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يوقعان على اتفاق ’شراكة استراتيجية وشاملة‘ جديد يوم 17 آذار/مارس. [الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية]

جنى المصري |

القاهرة - سيعزز اتفاق بقيمة 7.4 مليار يورو (8 مليارات دولار) وقعه الاتحاد الأوروبي ومصر في منتصف شهر آذار/مارس مبيعات النفط لأوروبا وسيساعد مصر في مواجهة أزمة اقتصادية حادة.

وقال مسؤول بالمفوضية الأوروبية لوكالة الصحافة الفرنسية إن اتفاق الشراكة الاستراتيجية الجديد يشمل تقديم مليارات في صورة ائتمان على مدار السنوات القادمة، إلى جانب تعزيز تدفقات الغاز والطاقة الأخرى لمساعدة أوروبا على "الابتعاد أكثر عن الغاز الروسي".

وأضاف المسؤول أن الاتفاق يشمل قروضا بقيمة 5 مليارات يورو (5.4 مليار دولار) على فترة 4 سنوات و1.8 مليار يورو (1.9 مليار دولار) في صورة استثمارات ومئات الملايين للمشاريع المشتركة.

وانضم إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في القاهرة قادة النمسا وبلجيكا وقبرص واليونان وإيطاليا لحضور حفل التوقيع مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

لقطة شاشة مأخوذة من فيديو نشر على الإنترنت يوم 7 شباط/فبراير تظهر محطة مصرية لتسييل الغاز. [وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية]
لقطة شاشة مأخوذة من فيديو نشر على الإنترنت يوم 7 شباط/فبراير تظهر محطة مصرية لتسييل الغاز. [وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية]
منصة استكشاف غاز مصرية في البحر المتوسط. [شركة إيغاس]
منصة استكشاف غاز مصرية في البحر المتوسط. [شركة إيغاس]

وقالت دير لاين إن الاتفاق يشمل "حزمة تتراوح من التجارة والاستثمار إلى الطاقة منخفضة الكربون وإدارة الهجرة والتعليم والثقافة والشباب".

هذا وتضررت مصر إلى حد كبير جراء سلسلة من الصدمات الاقتصادية، بما في ذلك هجمات الحوثيين في اليمن على حركة الملاحة بالبحر الأحمر والتي قلصت إيرادات قناة السويس علما أن هذه من بين المصادر الرئيسية للعملات الأجنبية.

يذكر أن الديون الخارجية للبلاد ارتفعت إلى نحو 165 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل كلفة خدمة هذه الديون إلى 42 مليار دولار خلال العام الجاري.

’قفزة نوعية‘ لمصر

وذكر خبراء لموقع الفاصل أنه من خلال الاتفاق الجديد، فتحت مصر والاتحاد الأوروبي الباب أمام شراكة استراتيجية طويلة الأجل في مجالات مختلفة.

وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة محمود سلطان إن مصر اتخذت قرار إبرام الاتفاق مع أوروبا على الرغم من العلاقات "الطيبة نسبيا" مع روسيا.

وأضاف "حاولت روسيا الدخول إلى الأسواق المصرية بقوة وتحاول الدخول مع الحكومة المصرية باتفاقيات ثنائية بعيدة المدى تتعلق بالتجارة والزراعة والطاقة والبترول والمحطات النووية".

ولكنه أشار إلى أن مصر اتخذت خطوة استراتيجية جبارة "بالتوصل إلى اتفاقات ثنائية مع كافة الدول الأوروبية من خلال الاتحاد الأوروبي".

وذكر أن "اتجاه أوروبا إلى مصدر جديد للحصول على الغاز الطبيعي المسال الذي كانت روسيا تحتكر [سابقا] إيصاله لأوروبا يعتبر تغييرا جذريا في مستقبل العلاقات الأوربية-الروسية".

وأكد أن هذا يضعف "موقف روسيا الذي يمر أساسا بمرحلة ضعف بسبب الحرب الأوكرانية والعداء الكبير مع معظم الدول الأوروبية".

وأوضح أنه بالنسبة لمصر، فإن هذا المحور "يعتبر نقلة نوعية تضعها في نادي كبار مصدري مادة الغاز المسال للقارة الأوروبية".

ديناميكيات سوق متغيرة

ومن جهته، قال أستاذ العلوم البترولية بجامعة القاهرة فهيم عبد الذواق للفاصل إن مصر تحاول تحويل استراتيجيتها وشراكاتها الدولية.

وأضاف أن "التحرك المصري-الأوروبي يعتبر ضربة قاسية لروسيا وفقدت روسيا ورقة ضغط كانت تمارسها على الدول الأوروبية".

وكانت روسيا قد خفضت إمدادات الغاز الطبيعي لأوروبا انتقاما من العقوبات الغربية التي فرضت عليها بعد شن هجومها على أوكرانيا في شباط/فبراير من العام 2022.

ووفق تقرير إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس الصادر في 26 شباط/فبراير، تغيرت ديناميكيات السوق بعد عامين من ذلك إلى حد كبير، في ظل تغير مصادر ومسارات الإمداد بصورة جذرية وتوقف معظم عمليات التسليم عبر خط الأنابيب الروسي.

وقال التقرير إن عددا قليلا من الدول لا يزال يستورد الغاز عبر الأنابيب من شركة غازبروم الروسية، علما أن إمدادات الغاز الطبيعي المسال الروسية لأوروبا لم تعد تشكل اليوم إلا حصة صغيرة من إجمالي واردات أوروبا من الغاز.

وأوضح أنه "اليوم مع منح الاتحاد الأوروبي الدول الأعضاء حق تقييد الواردات الروسية على المستوى الوطني وفي ظل سعي النمسا للتعجيل بعملية الابتعاد عن الغاز الروسي، فإن الكميات الروسية المتبقية تواجه مستقبلا غامضا".

ومن جانبه، قال آكوس لوز وهو أحد كبار الباحثين في المركز العالمي لسياسات الطاقة التابع لجامعة كولومبيا، لإذاعة أوروبا الحرة إن "الاتحاد الأوروبي أحرز تقدما مبهرا منذ شباط/فبراير 2022 على صعيد تقليل الاعتماد على واردات خط الغاز الروسي".

مصر توسع عمليات البحث عن الغاز

وفي هذا السياق، قال المتخصص في المواد البترولية أحمد سليمان ويعمل في شركة شبه حكومية إن "الاتفاقات الجديدة مع الاتحاد الأوروبي أتت بعد جهود مضنية قامت بها الحكومة المصرية".

وأضاف لموقع الفاصل أنه "منذ سنوات بدأت [مصر] بتوسيع مناطق البحث عن الغاز في منطقة المتوسط وبالفعل استطاعت رفع انتاجها إلى كميات وصلت إلى أكثر من 7 ملايين طن [بالسنة]".

وأشار إلى أن احتياطيات مصر من الغاز الطبيعي وصلت إلى 2.1 تريليون متر مكعب عام 2022 وحده، مما مكن مصر من رفع صادراتها من الغاز الطبيعي المسال لأوروبا إلى نسبة 71 في المائة من إجمالي الصادرات المصرية من الغاز المسال.

وتشكل هذه زيادة ضخمة مقارنة بالعام 2021 عندما كانت النسبة تبلغ فقط 31 في المائة.

هذا وتقوم وزارة البترول المصرية بعمليات استكشافية لـ 35 بئرا جديدا لتعزيز الاحتياطات الاستراتيجية، بحسب سليمان.

وأوضح أن "مصر والاتحاد الأوروبي يسيران باتجاه الطاقة المتجددة والهيدروجين بعد التقدم الذي نجحت به مصر في مجال الربط الكهربائي والهيدروجين الأخضر".

واستدرك أنه "يجري حاليا التحضير لإنشاء البنية التحتية بين مصر وبلجيكا والخاصة بالكابلات البحرية وخدمات سوق الطاقة البحرية".

هل أعجبك هذا المقال؟


يرجى إدخال الأرقام *