أمن
عبر تمكين إيران، روسيا والصين تعملان على تعزيز الفوضى في البحر الأحمر
اختارت روسيا والصين الامتناع عن إدانة عدوان الحوثيين في الممر المائي الحيوي، لكن كلا البلدين سيخسران من التوترات في البحر الأحمر.
فريق عمل الفاصل |
لفت مراقبون إلى أن رفض روسيا والصين إدانة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر قد مكّن إيران، راعية الجماعة المسلحة، وساهم في الأزمة الحالية التي يشهدها الممر المائي الاستراتيجي.
وتظهر الأحداث الأخيرة أن العلاقة المزدهرة بين الدول الثلاثة لها تأثير ضار على السلم والأمن العالميين.
ومنذ أن بدأ الحوثيون المدعومون من إيران بمهاجمة السفن التجارية التي تعبر البحر الأحمر في 19 تشرين الثاني/نوفمبر، امتنعت روسيا والصين عن إدانة أعمالها هذه، على الرغم من أن آثارها يمكن أن تطالهما.
"الصين تعارض الهجمات ضد السفن المدنية"، كان هذا كل ما قاله المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ وين بين خلال مؤتمر صحافي دوري يوم 4 كانون الثاني/يناير، دون أن يذكر الحوثيين على وجه التحديد أو يدينهم.
ولم تمتنع روسيا عن انتقاد الحوثيين بسبب هجماتهم فحسب، بل سارعت أيضا إلى إدانة الضربات الانتقامية الأميركية والبريطانية ضد الجماعة والتي نفذت يوم 12 كانون الثاني/يناير.
وقبل يومين، امتنعت روسيا والصين عن التصويت على قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة دان "بأشد العبارات" هجمات الحوثيين في البحر الأحمر وطالب بالوقف الفوري لجميع هذه الهجمات.
ودعا القرار كذلك إلى الإفراج عن السفينة غالاكسي ليدر المسجلة في اليابان وطاقمها الدولي المكون من 25 فردا، والتي استولى عليها الحوثيون في البحر الأحمر يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني.
وأكد القرار حق الدول الأعضاء بالأمم المتحدة "في الدفاع عن سفنها من الهجمات، خصوصا تلك التي تقوض الحقوق والحريات الملاحية".
وقالت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد في 10 كانون الثاني/يناير، "ينبغي ألا نحجب حقيقة الدعم الذي تقدمه إيران للحوثيين لمهاجمة السفن التجارية التي تمر عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب".
وأشارت إلى أن التهديدات التي تتعرض لها حقوق الملاحة في البحر الأحمر "مشكلة عالمية تتطلب تحركا عالميا".
الدافع هو المصالح الخاصة
ومع تعرض الصين وروسيا لخسارة اقتصادية بسبب التوترات المستمرة منذ زمن في البحر الأحمر، يتساءل المراقبون عن عواقب النفوذ الذي تمتلكه كل منهما على إيران والشرق الأوسط.
ففيما يتعلق بالصين، لفت المحللون إلى أن من مصلحة بيجين تهدئة الأمور وتجنب صراع شامل في المنطقة، خاصة بعد أن توسطت في اتفاق التقارب بين السعودية وإيران في آذار/مارس الماضي.
ومنذ صعود الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السلطة وإطلاقه مبادرة الحزام والطريق في عام 2013، سعت الصين إلى توسيع نفوذها الجيوسياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط، مع لعب إيران دورا مركزيا في هذه الخطة.
وفي آذار/مارس 2021، وقع البلدان على "اتفاق تعاون استراتيجي" مدته 25 عاما. وتحت رعاية صينية، انضمت إيران أيضا إلى مجموعة البريكس للدول النامية ومنظمة شنغهاي للتعاون.
وقال الخبير الاقتصادي عبد العزيز ثابت إن الصين توسطت بين السعودية وإيران لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية.
لكن عمليا، لا تملك بيجين أي تأثير سياسي على دول المنطقة، بحسب ما أضاف للفاصل. وأوضح أن "الأمر لا يتعلق بالنفوذ بقدر ما هو تبادل للمصالح الاقتصادية".
وذكر ثابت أن امتناع الصين وروسيا عن التصويت على قرار الأمم المتحدة، أظهر أنهما "لا تهتمان بأعمال القرصنة في البحر الأحمر ولا تباليان بأمن الممرات الملاحية الدولية واستقرارها".
مقامرة سياسية
من جهة أخرى، فإن العلاقات العسكرية "المزدهرة" بين روسيا وإيران، بما في ذلك مشاركتهما تكنولوجيا الطائرات المسيرة، تشكل مصدر قلق خاصا للمنطقة، حسبما قال قائد القوات الجوية الأميركية التاسعة الفريق أليكسوس جرينكويتش في أيلول/سبتمبر الماضي.
وثمة أدلة كثيرة على أن إيران تزود روسيا بطائرات مسيرة ، استخدمتها موسكو في هجماتها على المدنيين والبنية التحتية المدنية في أوكرانيا، وأن طهران تساعد موسكو في بناء مصنع لتصنيع المسيرات محليا.
وذكرت وكالة أنباء تسنيم الإيرانية في 28 تشرين الثاني/نوفمبر، أن إيران وضعت أيضا اللمسات النهائية على الترتيبات اللازمة لاستلام طائرات مقاتلة روسية الصنع من طراز سوخوي (سو)-35 وطائرات تدريب نفاثة من طراز ياك-130 ومروحيات هجومية من طراز ميل مي-28.
واستنادا إلى علاقات موسكو وبيجين الوثيقة مع طهران، يمتنع الحوثيون عن مهاجمة السفن الروسية أو الصينية التي تواصل الإبحار عبر البحر الأحمر ولو بوتيرة أبطأ.
لكن كلا البلدين يقومان بمقامرة سياسية بعدم إدانة هجمات الحوثيين.
وأكد الخبير الاقتصادي، ثابت، أن استمرار هجمات الحوثيين سيؤثر بشكل أو بآخر على الدول التي تستخدم البحر الأحمر وقناة السويس للصادرات والواردات.
وأشار إلى أن هذه القائمة تضم روسيا والصين، اللتين تعتمدان على الممر المائي للتجارة بين شرق آسيا والهند والشرق الأوسط.
وبالنسبة للصين التي تعد أكبر مصدر في العالم، فإن مصالحها التجارية على طول قناة السويس واستثماراتها الاستراتيجية في مصر معرضة للخطر.
وبتشجيع من بيجين، استثمرت الشركات المملوكة للدولة 4.65 مليار دولار على مدى العقد الماضي في قطاعات الخدمات اللوجستية والنقل والعقارات والطاقة في مصر، وفقا لمعهد أميركان إنتربرايز للأبحاث.
وتدين مصر أيضا بمليارات الدولارات للصين، إذ حصل البنك المركزي المصري على قرض بقيمة 956.61 مليون دولار من بنك التنمية الصيني الذي تديره الدولة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وفي الأشهر التي سبقت تصعيد الحوثيين لهجماتهم في البحر الأحمر، تعهدت شركات من الصين وهونغ كونغ بالاستثمار بما لا يقل عن 20 مليار دولار في مشاريع مختلفة على طول الممر المائي الحيوي في مصر، حسبما أفادت وكالة رويترز في 15 كانون الثاني/يناير.
ومع استمرار هجمات الحوثيين في ردع وإبطاء الشحن التجاري في البحر الأحمر وقناة السويس، فمن المرجح أن يتزايد الشعور بالإحباط لدى المستثمرين الصينيين بسبب تراجع عائداتهم.
أما على الجانب الروسي، فقد شهدت مبيعات النفط الروسية انخفاضا فعليا ووصلت واردات الهند منه إلى أدنى مستوياتها منذ 11 شهرا، حسبما أفاد موقع الأخبار الهندي فيرست بوست في 2 كانون الثاني/يناير. وبدأت الهند تتجه إلى دول الخليج العربي لاستيراد النفط بدلا من روسيا.
خسائر روسيا والصين
وفي العادة، يمر نحو 12 في المائة من التجارة العالمية عبر البحر الأحمر. لكن بين تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر 2023، انخفضت التجارة العالمية بنسبة 1.3 في المائة، وفقًا لمعهد كيل الألماني للاقتصاد العالمي.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر، تم نقل نحو 500 ألف حاوية عبر البحر الأحمر يوميا، حسبما أفاد المعهد في 11 كانون الثاني/يناير. أما اليوم، فلم تعبر الممر المائي سوى نحو 200 ألف حاوية فقط.
وقال مدير مركز أبعاد للدراسات الاستراتيجية عبد السلام محمد إن روسيا والصين تتأثران بالعمليات العسكرية والهجمات التي ينفذها الحوثيون في البحر الأحمر.
وأوضح للفاصل أن الهجمات في البحر الأحمر ترفع تكلفة التأمين وتتسبب في تأخير الشحن مع اضطرار شركات الشحن الكبرى إلى إعادة توجيه مسار سفنها حول الطرف الجنوبي لإفريقيا.
ولفت إلى أن هذه الهجمات تعرض موسكو وبيجين لخسائر اقتصادية وتجارية محتملة "فادحة"، حتى لو لم يستهدف الحوثيون سفنهم بشكل مباشر.
بدوره، قال المحلل السياسي محمود الطاهر إن "من مصلحة الصين أن يسود الهدوء، فلطالما وضعت الصين... مصالحها التجارية والاقتصادية في المقام الأول".
ومع ذلك، تستخدم كل من الصين وروسيا التوترات الحالية في الشرق الأوسط لصالحهما من أجل تخفيف الضغط الدولي عليهما بشأن الصراعات التي تثيرانها في مناطق قريبة منهما.
من جهته، قال نائب وزير العدل اليمني فيصل المجيدي إن روسيا تأمل أن يؤدي الصراع الجديد في الشرق الأوسط إلى صرف الانتباه عن حربها على أوكرانيا.
في الوقت عينه، تهدف الصين إلى صرف انتباه العالم عن التوترات التي تثيرها في بحر الصين الجنوبي، حسبما أضاف، حيث أكدت بيجين مطالبتها بالسيادة البحرية المتنازع عليها في انتهاك للقانون الدولي.
ساهم في هذا التقرير فيصل أبو بكر من اليمن.