طاقة

الخلاف حول حقل غاز الدرة يشكل تحديا للتقارب السعودي-الإيراني

قال محللون إن إيران تقوض علاقاتها المتجددة مع السعودية بتهديدات مستترة ولغة تصعيد وترهيب.

وفدان كويتي وإيراني يجريان محادثات في 13 آذار/مارس للبحث في مسألة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وهي الأولى من نوعها منذ أن علقت المحادثات عام 2012. ولم تسفر الاجتماعات عن أي نتائج. [وزارة الخارجية الكويتية]
وفدان كويتي وإيراني يجريان محادثات في 13 آذار/مارس للبحث في مسألة ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، وهي الأولى من نوعها منذ أن علقت المحادثات عام 2012. ولم تسفر الاجتماعات عن أي نتائج. [وزارة الخارجية الكويتية]

أنس البار |

قال مسؤولون إن الخلاف بين السعودية والكويت وإيران على ملكية حقل الدرة للغاز الذي اندلع في تموز/يوليو الماضي عندما أصدر مسؤولون إيرانيون تصريحات استفزازية، يشير إلى هشاشة التقارب السعودي-الإيراني.

فتزعم طهران أن لديها حصة في الحقل المعروف باسم آرش في إيران وأعلنت في تموز/يوليو أنها "لن تتسامح مع أي انتهاك لحقوقها". وقالت إن جزءا من الحقل يقع ضمن حدودها البحرية وهو امتداد لحقل آرش البحري.

ولكن من جانب آخر، تدعي الكويت والسعودية أنهما تتمتعان وحدهما بحقوق السيادية الكاملة في حقل الغاز البحري في الخليج العربي والذي اكتشف في ستينيات القرن الماضي.

وذكرت السعودية والكويت أن الحقل الواقع في الركن الشمالي الغربي للخليج يقع في منطقتهما المحايدة، في حين تطالب إيران بالجزء الشمالي منه.

مسؤولون سعوديون وكويتيون يوقعون اتفاقية لتطوير حقل غاز الدرة في 11 كانون الأول/ديسمبر. [وزارة الطاقة السعودية]
مسؤولون سعوديون وكويتيون يوقعون اتفاقية لتطوير حقل غاز الدرة في 11 كانون الأول/ديسمبر. [وزارة الطاقة السعودية]

ولطالما دعت الدولتان الخليجيتان إيران إلى إجراء مفاوضات لترسيم الحدود الشرقية للمنطقة المغمورة، إلا أن دعواتهما لم تلق آذانا صاغية.

وفي وقت سابق من العام الجاري، قال نائب رئيس الوزراء الكويتي ووزير النفط ووزير المالية بالوكالة سعد البراك، إن الدولتين الخليجيتين ستبدآن الحفر والإنتاج من الحقل دون انتظار اتفاق لترسيم الحدود مع إيران.

وفي 7 آب/أغسطس، أكدت السعودية مجددا استمرار الخطط مع الكويت لاستكشاف حقل الدرة.

ترسيم الحدود أولا

هذا وتغطي المنطقة البحرية المشتركة بين الدول الثلاث 2230 ميلا مربعا (5775 كيلومترا مربعا) وتحتوي على احتياطيات ضخمة من الغاز والنفط.

ويقدر احتياطي الغاز في حقل الدرة بنحو 60 تريليون قدم مكعب، فيما يقدر احتياطي النفط الخام بنحو 30 مليار برميل.

وكانت الكويت والسعودية قد وقعتا اتفاقية تعاون لتطوير الحقل في 21 آذار/مارس 2022، علما أن محتوى الحقل يقدر بـ 220 مليار متر مكعب من الاحتياطيات القابلة للاسترداد.

وكان هدف البلدين من هذه الخطوة إنتاج مليار قدم مكعب من الغاز يوميا و84 ألف برميل يوميا من المكثفات، مع تقاسم العائدات بينهما بالتساوي.

واعترضت إيران على الاتفاق ووصفته بأنه غير قانوني وطالبت باعتماد نظام "الحصص" والاستخدام المشترك للحقل.

إلى هذا، طالب مسؤولون إيرانيون حكومتهم بالإسراع في عمليات الاستكشاف والحفر لتكون أول من يستغل الحقل و"لاستباق" أي تطوير من قبل الكويت والرياض.

وقال البراك في بيان صدر يوم 5 تموز/يوليو "نرفض بشكل قاطع وكامل الأنشطة التي تخطط لها إيران حول مواقع حقل غاز الدرة البحري".

وتابع "على إيران أولا أن تدخل في مفاوضات لترسيم الحدود الدولية، وبعد ذلك من له حق سيحصل عليه وفقا لقواعد القانون الدولي".

سعي إيران للهيمنة

وفي السياق نفسه، أكد خبراء أن حل خلاف حقل الدرة سيكون الاختبار الحقيقي الأول لاستمرارية اتفاق تطبيع العلاقات الإيرانية-الخليجية، مشيرين إلى أن هذه العلاقات مقوضة بفعل تهديدات إيران المستترة.

وقال الأستاذ المحاضر في كلية العلوم السياسية بجامعة الملك سعود بالرياض عبد الله الدخيل إن الخلاف على حقل الدرة "كشف نوايا إيران الحقيقية".

وأوضح أن "النوايا الإيرانية تقوم على التوسع والاستحواذ بأي طريقة ممكنة، سواء كان ذلك على حساب جيرانها أو الدول التي يتواجد فيها الحرس الثوري الإيراني".

وأردف أن إيران ارتكبت مجددا خطأ سياسيا ودبلوماسيا، مشيرا إلى أن الحادث يأتي وسط فتور في العلاقات الإيرانية-الخليجية والإيرانية-السعودية.

وأضاف أن المسألة قد تؤدي إلى "تعقيدات غير مسبوقة في منطقة الخليج في حال نفذت إيران تهديداتها وبدأت بعمليات حفر قد تتزامن مع عمليات [التنقيب] الكويتية والسعودية".

وأكد أن ذلك يعني أنه "لا يمكن الوثوق بإيران على الإطلاق".

ومن جانبه، قال الصحافي والمحلل الكويتي عايد المناع في تصريحات لوسائل الإعلام في تموز/يوليو الماضي، إن على الإيرانيين "الكف عن استخدام خطاب التهديد" ونزع كل أفكار الهيمنة والتوسع من عقولهم.

وأضاف أن من مصلحتهم إنشاء علاقات طيبة مع جيرانهم، لافتا إلى أن دول الخليج "تبقى ملتزمة بجهود إحلال السلام والعلاقات الودية" مع إيران.

حل النزاعات الحدودية

وأشار المناع إلى رغبة الكويت والسعودية في أن تكونا طرفا مفاوضا واحدا مقابل الجانب الإيراني في مباحثات ترسيم الحدود وحل الملف مع إيران.

ولكنه قال إن طهران تعارض ذلك وترغب في التفاوض مع الدولتين بشكل منفصل، وهو ما يراه بعض المحللين بأنه محاولة إيرانية لإحداث "صدع في الموقف الموحد بين الكويت والسعودية".

ومن جهته، قال الباحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية علي بكير لموقع عربي21، إن الكويت تتبنى "استراتيجية مضادة للاستراتيجية الإيرانية" تسلط الضوء على وحدة الصفوف بين الموقفين الكويتي والسعودي بشأن حقل الدرة.

وأضاف في مقال نشر في 5 آب/أغسطس أن موقف الكويت هو "بحرمان إيران من أي فرصة للضغط عليها وفرض الأمر الواقع".

يُذكر أن المحادثات الثنائية الكويتية-الإيرانية التي عقدت على مدى سنوات عديدة وكان آخرها في 13 آذار/مارس الماضي، لم تؤد إلى اتفاق لإنهاء هذا النزاع الحدودي المستمر منذ عقود.

وبدوره، دعا مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل حسين، الكويت وإيران والسعودية إلى رفع القضية أمام محكمة العدل الدولية للتحكيم الدولي.

وقال "على كل طرف تقديم الخرائط والمستندات والأوراق التي تثبت حقه في الحقل، ولا بد من احترام قرار المحكمة النهائي".

وأشار إلى أن هذا الأمر حدث مع قرار المحكمة الدولية عام 2001 والذي أنهى نزاعا حدوديا استمر لعقود بين البحرين وقطر.

وشدد على أن "الخلافات الحدودية هي من المشاكل الشائعة بين الدول وقد تؤدي إلى اندلاع نزاعات وحروب مدمرة لأن المسألة لا تتعلق بالحدود والسيادة فحسب، بل بالثروة المشتركة".

وتابع أنه من الممكن احتواء أي "تداعيات كارثية" ناجمة عن هذه النزاعات بتوفر ملجأ قانوني ومع تثبيت الحقوق الجغرافية والاقتصادية والسيادية لكل دولة.

- ساهم وليد أبو الخير في إعداد هذا التقرير من القاهرة.

هل أعجبك هذا المقال؟


يرجى إدخال الأرقام *