سياسة
محاولة الصين صنع السلام "الحيادي" في الشرق الأوسط تثير استهجانا في المنطقة
مع مسارعة الصين إلى تقديم نفسها كوسيط، أكد النقاد أنها تفتقر إلى الخبرة الدبلوماسية وتبحث إلى حد كبير عن مصالحها الخاصة.
فريق عمل الفاصل |
سارعت الصين إلى طرح نفسها كصانع للسلام في الشرق الأوسط وسط الحرب بين إسرائيل وحماس، مشيرة إلى أنها على استعداد للتنسيق مع مصر، لكن محللين أكدوا افتقارها إلى الخبرة في هذا المجال ويعود تحركها إلى حد كبير لمصلحتها الذاتية.
وأشاروا إلى أن الصين تتمتع بخبرة خجولة كوسيط في الصراعات، ولا يمكنها التصرف بحياد في الشرق الأوسط لعلاقتها الثنائية المريحة مع إيران حليفة حماس.
فشلت الصين في إدانة حماس بشكل مباشر بسبب الهجوم الإرهابي الذي شنته على إسرائيل من غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، والذي قتلت فيه الجماعة الفلسطينية الإرهابية 1400 شخص، معظمهم من المدنيين واحتجزت أكثر من 200 رهينة ، ما أدى إلى اشعال فتيل الحرب الدائرة.
أشار مستخدمو الإنترنت في الصين إلى أن اسم "إسرائيل" لا يظهر على الخرائط الرقمية على الإنترنت الخاصة بعملاقي التكنولوجيا الصينيين بايدو وعلي بابا، وفق ما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال هذا الأسبوع.
ونشرت الصحيفة أن هذا "الغموض يتماشى مع دبلوماسية بيجين المبهمة في المنطقة ويتناقض مع اهتمامها بالخرائط عموما".
قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي لنظيره الفلسطيني رياض المالكي في 23 تشرين الأول/أكتوبر، إن "أكثر ما يحتاجه قطاع غزة هو الجهود الرامية إلى وقف الحرب وتعزيز السلام، وليس الحسابات الجيوسياسية".
ومع ذلك، استمرت الصين في العمل على زيادة استثماراتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط على مدى سنوات كجزء من حساباتها الجيوسياسية الخاصة من أجل تأمين طرقها التجارية، وتعزيز مصالحها ونشر هيمنتها.
في الشرق الأوسط، أبدت الصين اهتماما خاصا بالمشاريع الاستثمارية في مصر على طول قناة السويس التي تعتبر بوابة بالغة الأهمية للتجارة العالمية.
وحددت الصين أيضا، بورسعيد والعين السخنة في مصر، والدقم في عمان، وجيزان في المملكة العربية السعودية، كمواقع لإقامة مشاريع رئيسة ستعمل على تطويرها كجزء من مبادرة الحزام والطريق، بحسب ما ذكرت شركة Aggregates Business في تشرين الثاني/نوفمبر 2020.
وفي 22 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن وزير التجارة الصيني وانغ وينتاو عن رغبة بلاده في تعميق التعاون مع دول الخليج.
وفي إشارة إلى اهتمامها المتزايد بالمنطقة، أرسلت الصين الأسبوع الماضي وفدًا من 300 شخص إلى مبادرة الاستثمار المستقبلي في العاصمة السعودية الرياض، المعروفة أيضا باسم "دافوس الصحراء"، فيما يعتبر ضعف حضورها السابق.
’حرب دبلوماسية‘
في إطار جولته إلى الشرق الأوسط، حضر المبعوث الصيني للشرق الأوسط تشاي جون "قمة السلام" التي عُقدت في القاهرة في 21 أكتوبر/ تشرين الأول، حيث دعا إلى "وقف فوري لإطلاق النار وإنهاء القتال في أسرع وقت ممكن".
وانتهت القمة من دون التوصل إلى اتفاق.
خلال لقائه مع رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في 19 أكتوبر/ تشرين الأول في بيجين، قال الرئيس الصيني شي جين بينغ إنه يجب على البلدين العمل معا لتحقيق "المزيد من الاستقرار" في الشرق الأوسط.
ومع الحرب التي شنتها روسيا في أوكرانيا، تراجعت بيجين لمدة عام قبل أن تطلق اقتراحا لتسوية سياسية، وفق ما ذكرت صحيفة واشنطن بوست في 22 تشرين الأول/أكتوبر.
وتابعت الصحيفة "شنّت الآن حملة دبلوماسية بعيد أيام على الهجمات، واصفة نفسها بأنها" صديق لكل من إسرائيل وفلسطين ".
وأضافت "على مدى عقود، بقيت الصين بعيدة عن الصراعات المستعصية في الشرق الأوسط، لكن ذلك تغير في السنوات الأخيرة"، بحيث تحاول الصين التوفيق بين نفوذها الاقتصادي والنفوذ السياسي.
لكن "اهتمام بيجين المتزايد بلعب دور صانع السلام العالمي قد حقق نجاحا محدودا"، حسبما أكدت الصحيفة، باستثناء الاتفاق الإيراني-السعودي الأخير، والذي لم يتمكن بعد من الصمود أمام اختبار الزمن.
وقالت صحيفة واشنطن بوست، أن وزارة الخارجية الصينية رفضت التعليق على ما إذا كانت ستستخدم نفوذها على إيران لمحاولة كبح جماح حماس، مضيفة أن "لديها خبرة ضئيلة في العمل مباشرة مع الجماعة المسلحة".
لا أحمال ثقيلة
يشك المسؤولون الأميركيون في انخراط الصين في دبلوماسية مضنية على غرار الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، بحسب ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وحثت الولايات المتحدة مرارا الصين على الاضطلاع بدور أكبر في أزمة الشرق الأوسط بما يتناسب مع تطلعاتها العالمية واستخدام نفوذها على رجال الدين الذين يحكمون إيران ويدعمون حماس.
وفي هذا الاطار، اعتبر الخبير في المجلس الأطلسي بشأن دور الصين في الشرق الأوسط، جوناثان فولتون، أن بيجين، ومن خلال رسائلها، رأت في الأزمة "فرصة لتسجيل نقاط على الولايات المتحدة".
وقال إن الصين تأمل على الأرجح في الحصول على دعم العالم العربي والإسلامي لأولوياتها المتمثلة في تهميش تايوان ورفض المزاعم المدعومة من الولايات المتحدة بأن بيجين ترتكب إبادة جماعية ضد مسلمي الإيغور.
وأشار محللون إلى سجل الصين السيئ في مجال حقوق الإنسان على الجبهة الداخلية، وفي معاملتها لأقلية الأويغور المسلمة، ولفتوا إلى نفاق جهودها لتصوير نفسها الآن على أنها بطل إنساني في الشرق الأوسط.
وفي ظل مواردها الأمنية والدبلوماسية المحدودة في الشرق الأوسط، فإن الصين لديها مصلحة مزدوجة في إبقاء تركيز الولايات المتحدة على الأزمة.
وقال فولتون "من الواضح بالنسبة للصين أنه من الأفضل أن تتورط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والخليج".
وتابع "لكن إذا استمرت الولايات المتحدة في توفير الهيكل الأمني الذي يحافظ على الشرق الأوسط، فلن تضطر الصين إلى القيام بحمل ثقيل بمفردها".