إقتصاد

عشر سنوات من الجدل: مبادرة الحزام والطريق الصينية

شهد المشروع الضخم للرئيس الصيني شي جين بينغ انزلاق بلدان في فخ الديون بسبب البنية التحتية المسرفة.

[فريق عمل الفاصل]

فريق عمل الفاصل |

بيجين -- فيما تجمع ممثلو 130 بلدا لحضور قمة في بيجين للاحتفال بمرور عشر سنوات على إطلاق مبادرة الحزام والطريق الصينية يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر، فإن نظرة على تأثير مشروع البنية التحتية الضخم في الشرق الأوسط تظهر اتجاهات مثيرة للقلق.

ومبادرة الحزام والطريق هي مشروع ضخم يسعى عبره الرئيس الصيني شي جين بينغ لتوسيع نفوذ الصين بالخارج، إذ تقول بيجين إنها قد أبرمت حتى الآن عقودا حول العالم بقيمة 2 تريليون دولار أميركي.

فأكثر مشاريعها أهمية قد أنشأت خطوط سكك حديدية فائقة السرعة تتقاطع في مناطق جنوب شرق آسيا، فضلا عن مشاريع نقل وطاقة وبنية تحتية عملاقة في جميع أنحاء وسط آسيا.

أما في منطقة الشرق الأوسط الكبير، فإن مشاريع مبادرة الحزام والطريق تمتد عبر 15 بلدا.

الرئيس الصيني شي جين بينغ يتحدث خلال الحفل الافتتاحي لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي الثالث، وذلك في قاعة الشعب الكبرى بالعاصمة بيجين يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر. [بدرو باردو/وكالة الصحافة الفرنسية]
الرئيس الصيني شي جين بينغ يتحدث خلال الحفل الافتتاحي لمنتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي الثالث، وذلك في قاعة الشعب الكبرى بالعاصمة بيجين يوم 18 تشرين الأول/أكتوبر. [بدرو باردو/وكالة الصحافة الفرنسية]

وفي حين أن المؤيدين يشيدون بالمبادرة ويقولون إنها جلبت موارد وحققت نموا اقتصاديا في جنوب العالم، إلا أن المبادرة تعرضت أيضا للانتقاد بسبب تكبيلها الدول الفقيرة بديون ضخمة نتيجة عمليات تسعير مبهمة لمشاريع المبادرة التي تقوم بتنفيذها شركات صينية وبسبب شروط سداد غامضة وصفت بأنها "فخ ديون".

واضطرت بيجين في السنوات الأخيرة لتقديم قروض إنقاذ بمليارات الدولارات لبلدان المبادرة للسماح لها بتمديد فترة سداد القروض والحفاظ على استقرارها المالي، وذلك وفقا لتقرير مشترك أعده البنك الدولي ومؤسسات أخرى.

وقالت الصين هذا الشهر أن المشاركين في المبادرة مدينون بأكثر من 300 مليار دولار أميركي للبنك الصيني للصادرات والواردات.

إلا أن الصين لم ترتدع، إذ ستضخ ما يزيد عن 100 مليار دولار أميركي في صورة تمويل للمبادرة، حسبما أعلن الرئيس شي في القمة يوم الأربعاء.

وتعرضت المبادرة أيضا للتدقيق بسبب بصمتها الكربونية الهائلة والتدهور البيئي الناجم عن مشاريع البنية التحتية الضخمة.

وكان علماء من الصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة قد حذروا في 2019 من أن تطوير المشاريع وخطوط الأنابيب والسكك الحديدية والطرق السريعة العملاقة يمكن أن تجعل أهداف باريس للمناخ غير قابلة للتحقيق.

وأشتكى سكان بلدان المبادرة كذلك من أن غالبية الوظائف في مشاريع البنية التحتية تذهب للعمال الصينيين الذين يرسلون رواتبهم إلى وطنهم بدلا من إنفاقها في الأعمال التجارية المحلية.

'فخ ديون'

هذا وتعد باكستان واحدة من عدد من الدول النامية التي استدانت بشدة من مقرضين صينيين نتيجة لمبادرة الحزام والطريق، وتواجه خطرا متزايدا في التخلف عن سداد قروضها للصين.

وتزعم الصين أنها قد استثمرت 25.4 مليار دولار أميركي في باكستان على مدار العقد المنصرم، في مشاريع تتراوح من بناء طرق إلى بناء محطات كهرباء.

إلا أن المحللين الاقتصاديين يشيرون إلى المخاوف من أن القروض والاتفاقيات المالية مع الصين في إطار الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، وهو مكون باكستاني في مبادرة الحزام والطريق الصينية، قد فاقمت ديون باكستان وجعلت البلاد عرضة لأزمات اقتصادية وسياسية.

فقد وجد تحليل أجراه معهد الشرق الأوسط في شهر شباط/فبراير أن نحو 30 في المائة من الديون الخارجية لباكستان هي للصين، بما في ذلك بنوك تجارية مملوكة للدولة.

وأشار المعهد إلى أن "باكستان تبدو أكثر حرصا على أخذ تمويل جديد من الصين مقارنة بحرص الصين على تقديمه".

وتابع، مشيرا إلى مشروع خط سكك حديدية كبير مرتبط بالممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني، أنه "حتى فيما الاقتصاد يترنح تحت وطأة عبء الديون الثقيل والتحديات الحادة الأخرى، فقد سعى المسؤولون الباكستانيون للحصول على دعم من الصين لتحديث خطط السكك الحديدية الرئيس 1".

وكتب عبد الخالق، وهو ممثل باكستاني في لجنة إلغاء الديون غير المشروعة، وهي شبكة من النشطاء الدوليين يقع مقرها في بروكسل، على موقع اللجنة يوم 16 أيار/مايو "لقد اعتبرت القروض التي قدمت فيما له صلة بالممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني غير مجدية من الناحية الاقتصادية، وبالتالي، فإن باكستان تواجه الآن صعوبة في الوفاء بالتزاماتها في السداد".

وأضاف خالق "لقد حذر خبراء الاقتصاد أنه عندما يبدأ المستثمرون الصينيون في إعادة الأرباح إلى بلدهم وبعد عام 2021، حين يتوقع أن تتزايد مدفوعات التسديد، فإذا لم يولد الممر الاقتصادي الصيني-الباكستاني نموا كافيا، فعندئذ فإن ديون باكستان من القروض البنكية الصينية قد تصبح عبئا".

ومثل هذه المخاوف المتعلقة بالديون تكون مقلقة على نحو خاص في ضوء التقارير التي تحدثت عن بنية تحتية فاشلة ومسرفة.

فمثلا، سد كوكا كودو سنكلير للطاقة الكهرومائية الذي بنته الصين بكلفة 2.6 مليار دولار أميركي في إكوادور فيه أكثر من 17 ألف تصدع في هيكله، ما يؤدي إلى الحد من تشغيله.

كما أن السدود في أوغندا وباكستان ظهرت فيها أيضا تصدعات هيكلية.

وفي سري لانكا، فإن مطار ماتالا راجاباكسا الدولي الذي كلّف 200 مليون دولار أميركي وبني في إطار مبادرة الحزام والطريق، قد وصف بأنه "أكثر مطارات العالم فراغا".

أجراس الإنذار

إضافة إلى مشاريع البنية التحتية المسرفة على البر والبحر، تتضمن مبادرة الحزام والطريق عددا مقلقا من المشاريع الرقمية.

فطريق الحرير الرقمي الصيني، وهو المكون التكنولوجي في مبادرة الحزام والطريق، هو "مشروع بناء جسور رقمية يهدف للترويج لنوع جديد من العولمة عبر التجارة الرقمية والبنية التحتية الرقمية والتجارة الإلكترونية عبر الحدود والأدوات المالية المتنقلة وتكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة (البيانات الكبيرة والعملات الرقمية والحوسبة السحابية، إلخ)"، حسبما ذكرت مجلة ناشيونال إنترست في حزيران/يونيو.

ووفق قاعدة بيانات China Connects بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، فقد استثمرت بيجين بكثافة في الشرق الأوسط من خلال 266 مشروعا لمبادرة الحزام والطريق بين عامي 2005 و2022، وغالبية تلك المشاريع هي ضمن طريق الحرير الرقمي.

وتظهر بيانات المعهد أن "الشركات الصينية استثمرت في 202 مشروع من مشاريع طريق الحرير الرقمي (76 في المائة من إجمالي الاستثمارات) مقارنة بـ 64 مشروعا من مشاريع البنية التحتية المادية التقليدية".

إلا أن المنتقدين عبروا عن مخاوفهم من أن منح الصين وصولا إلى مثل هذه الكميات الهائلة من البنية التحتية الرقمية يفتح الباب أمام تهديدات تتعلق بالأمن القومي والتجسس.

ومن بين كل بلدان الشرق الأوسط، فقد استثمرت الصين بكثافة في دولة الإمارات العربية المتحدة، مع وجود 43 مشروعا ضمن مشاريع طريق الحرير الرقمي و14 مشروعا ضمن مبادرة الحزام والطريق، بحسب بيانات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.

وعرضت الصين أيضا تحديث البنية التحتية للاتصالات في الإمارات مع معدات الجيل الخامس التي تصنعها عملاق الاتصالات الصيني شركة هواوي.

إلا أن شركة هواوي، التي تبدو صانعا مشروعا للهواتف الخلوية والمنتجات الاستهلاكية، تحصل على دعم مكثف من الحكومة الصينية ولديها صلات عميقة مع جيش التحرير الشعبي.

ولدى هذه الشركة 12 عقدا لشبكة الجيل الخامس في الشرق الأوسط.

النفوذ الصيني

وخدمت مبادرة الحزام والطريق كذلك كأداة دبلوماسية لتلميع صورة الصين كقائدة لجنوب العالم.

إلا أن ذلك أثار المخاوف من أن الصين تسعى لإعادة بناء النظام العالمي على نحو يخدم مصالحها، في حين أن أصوات المعارضة في بلدان مبادرة الحزام والطريق قد أبدت أيضا استياءها مما تراه نفوذا صينيا متزايدا في السياسات المحلية.

وبحسب تقرير صادر عن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، "فقد استخدمت الصين علاقاتها في الشرق الأوسط لدعم مصالحها بشأن القضايا غير المرتبطة بسياسة الشرق الأوسط، مثل موقفها من بحر الصين الجنوبي وعزل تايوان والحد من الاستجابة الدولية لانتهاكاتها لأقلية الإيغور المسلمة".

بدورها، حذرت واشنطن من إمكانية أن تستغل الصين مبادرة الحزام والطريق كذريعة لبناء قواعد عسكرية حول العالم باسم حماية استثماراتها.

وعلى سبيل المثال، فإن قاعدة عسكرية مترامية الأطراف هي محور مبادرة الحزام والطريق في جيبوتي.

فالمنشأة التي تفيد التقارير إلى أن كلفتها بلغت 590 مليون دولار أميركي هي أول قاعدة بحرية دائمة لبيجين خارج الصين، وهي تقع في مكان استراتيجي بين البحر الأحمر وخليج عدن.

وقالت بيجين إن القاعدة تستخدم لتزويد سفن البحرية بالإمدادات ودعم قوات حفظ السلام الإقليمية والعمليات الإنسانية وملاحقة القرصنة.

لكن قرب تلك القاعدة من قاعدة عسكرية أميركية أثار مخاوف تتعلق بالتجسس وإظهار الصين للقوة حول إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا.

وتفيد التقارير أيضا إلى أن الصين تبنى منشأة سرية في أحد موانئ دولة الإمارات العربية المتحدة

وتشير التقارير الاستخبارية إلى أن الصين تستخدم الأنشطة التجارية المشروعة لإخفاء أنشطتها العسكرية في الميناء وفي موانئ أخرى بمناطق رئيسة.

وتذكر التقارير أن تطوير الميناء الإماراتي هو جزء من مخطط أكبر لتوسيع الهيمنة الصينية في مناطق ذات موقع استراتيجي ولتسهيل الوصول إلى المنطقة، وذلك عبر موانئ تمتد من بحر الصين الجنوبي إلى قناة السويس.

هل أعجبك هذا المقال؟


يرجى إدخال الأرقام *

نعم اعجبنى