بيئة

الطاقة الشمسية شريان حياة للمزارعين في شمالي شرقي سوريا

تساعد الطاقة الشمسية المزارعين السوريين على ري محاصيلهم في ظل الجفاف وانقطاع الكهرباء في شمال البلاد، ولكن يحذر البعض من الكلفة البيئية التي ستتسبب بها هذه الموجة في المنطقة.

امرأة تنظر إلى النبات في أرض مزروعة بالبطيخ وتستخدم فيها ألواح الطاقة الشمسية للري في مزرعة بقرية الحدادية التي تبعد نحو 44 كيلومترا جنوبي الحسكة في شمالي شرقي سوريا بتاريخ 24 أيلول/سبتمبر. [دليل سليمان/وكالة الصحافة الفرنسية]
امرأة تنظر إلى النبات في أرض مزروعة بالبطيخ وتستخدم فيها ألواح الطاقة الشمسية للري في مزرعة بقرية الحدادية التي تبعد نحو 44 كيلومترا جنوبي الحسكة في شمالي شرقي سوريا بتاريخ 24 أيلول/سبتمبر. [دليل سليمان/وكالة الصحافة الفرنسية]

فريق عمل الفاصل ووكالة الصحافة الفرنسية |

الحدادية -- في مزرعته الواقعة في شمالي شرقي سوريا، يعمل عبد الله المحمد على ضبط لوح كبير للطاقة الشمسية، وهو واحد من بين مئات الألواح التي ظهرت على مر السنوات في ظل مساعي المزارعين لمواجهة مشكلة انقطاع الكهرباء في المنطقة المنكوبة جراء الحرب.

وشكلت الطاقة الشمسية شريان حياة للمزارعين وسط الجفاف وانقطاع الكهرباء، ولكن يحذر البعض من الكلفة البيئية التي ستتسبب بها هذه الموجة في المنطقة التي كانت خصبة في وقت من الأوقات.

وقال محمد البالغ من العمر 38 سنة بينما كان يوجه لوح الطاقة الشمسية باتجاه الشمس بالقرب من حقول القطن التابعة له، "نحاول إحياء أرضنا" رغم تراجع احتياطي المياه الجوفية.

وفي قريته الحدادية الواقعة بمحافظة الحسكة، يستخدم المزارعون الطاقة الشمسية لتشغيل أنظمة الري لمختلف أنواع المحاصيل كالخضار والقمح والشعير والقطن.

المزارع السوري محمد علي الحسين البالغ من العمر 22 سنة، يسقي أرضا مزروعة بالبطيخ بالقرب من ألواح للطاقة الشمسية تستخدم لري الحقول في مزرعة تقع عند أطراف مدينة الحسكة شمالي شرقي سوريا بتاريخ 24 أيلول/سبتمبر. [دليل سليمان/وكالة الصحافة الفرنسية]
المزارع السوري محمد علي الحسين البالغ من العمر 22 سنة، يسقي أرضا مزروعة بالبطيخ بالقرب من ألواح للطاقة الشمسية تستخدم لري الحقول في مزرعة تقع عند أطراف مدينة الحسكة شمالي شرقي سوريا بتاريخ 24 أيلول/سبتمبر. [دليل سليمان/وكالة الصحافة الفرنسية]

وذكر محمد، وهو أب لثلاثة أطفال، أنه بحاجة إلى إمدادات طاقة ثابتة لضخ المياه الجوفية من عمق 60 مترا تقريبا، علما أنها كانت قبل بضع سنوات على عمق 30 مترا فقط.

وباتت الحرارة في شمال سوريا أعلى بنحو 0.8 درجة مئوية اليوم مقارنة بما كانت عليه منذ قرن الزمن، ومن المرجح أن تشهد المنطقة موجة جفاف كل 3 سنوات، بحسب تقرير صدر العام الماضي عن منظمة أيماب (iMMAP) غير الربحية العاملة في مجال البيانات ومقرها واشنطن.

وكان شمال سوريا بمثابة منطقة منتجة للحبوب للبلاد قبل العام 2011 عندما قمعت الحكومة التظاهرات السلمية، ما أدى إلى اندلاع حرب أسفرت عن مقتل أكثر من 500 ألف شخص ونزوح الملايين.

ودمرت الحرب البنية التحتية للبلاد وقطاعها الزراعي، وبالكاد تستطيع الدولة تأمين الكهرباء لساعات معدودة كل يوم.

ومنذ آب/أغسطس، تشهد سوريا تظاهرات متزايدة في الجنوب بعد أن رفعت الحكومة المدعومة من إيران وروسيا الدعم عن الوقود، ما وجه ضربة للسوريين الذين يعانون أصلا من عبء وخسائر ضخمة طالت الاقتصاد جراء حرب دامت 12 سنة.

ʼأنقذتهم من الانقراضʻ

وكان المزارعون في المنطقة التي باتت خاضعة للأكراد يعتمدون على كهرباء الدولة ووقود المولدات المدعوم للضخ والري، إلا أن انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار الوقود فاقما التحديات المناخية.

وذكر محمد أن "الطاقة الشمسية أنقذت الزراعة والمزارعين من الانقراض"، وهو يقف بالقرب من نباتات يصل ارتفاعها إلى مستوى الخصر وأزهار دوار الشمس المتمايلة في مهب الريح.

ومن المناطق الشمالية الغربية الواقعة تحت سيطرة المعارضة إلى المناطق الخاضعة للحكومة، انتشرت ألواح الطاقة الشمسية في سوريا وباتت تؤمن الطاقة للمنازل والمؤسسات العامة وحتى لمخيمات النازحين.

وجاء في تقرير صدر عام 2022 عن الأمم المتحدة أن إنتاج كهرباء الدولة في سوريا "تراجع [بين عامي 2011 و2021] بصورة ملحوظة ليصل إلى نحو 57 في المائة"، كما تراجعت قدرة المولدات الكهربائية إلى 65 في المائة.

وفي مختلف أنحاء الحسكة، أصبحت ألواح الطاقة الشمسية لازمة لقطاع الزراعة.

وعلى مسافة نحو 10 كيلومترات من الحدادية، بدأ المزارع حميد العودة يستخدم الطاقة الشمسية قبل 6 سنوات.

وأصبح اليوم يملك 272 لوحا للطاقة الشمسية مركبا في مختلف أنحاء أراضيه الزراعية الشاسعة.

وقال العودة البالغ من العمر 60 سنة "بدأت غالبية الناس تبيع مولداتها وتستبدلها بالطاقة الشمسية".

وأوضح "تضررت محاصيل المزارعين الذين لا يستطيعون تحمل كلفة الطاقة الشمسية والمولدات ويبست مزروعاتهم".

السلبيات

وبدوره، قال المزارع محمد علي الحسين المتواجد شمالا بالقرب من مدينة القامشلي إن النقص في وقود المولدات منعه في وقت من الأوقات من ري محاصيله على مدى أيام عديدة.

وأضاف وهو يحمل خرطوما ضخما، "ولكن بتنا اليوم نسقي الأراضي منذ شروق الشمس حتى غروبها بالاعتماد على ألواح الطاقة".

ولكن حذر تقرير أيماب أيضا من جانب سلبي لموجة اعتماد الطاقة الشمسية في المنطقة.

فأوضح أن "مضخات المياه التي تعمل بالطاقة الشمسية... مسؤولة أيضا عن الاستخراج المتزايد للمياه وما ينتج عن ذلك من انخفاض في مستوى المياه الجوفية".

وتابع التقرير أن تزايد استخدام الآبار الجوفية يؤدي أيضا إلى زيادة في الملوحة.

وفي هذا السياق، قال ديدار حسن من شركة ونلان المحلية لحلول الطاقة الشمسية إن الطلب ارتفع بصورة كبيرة في شمالي شرقي سوريا خلال السنوات الأخيرة وسط انقطاع التيار الكهرباء لفترات تصل إلى 20 ساعة في اليوم.

وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية أن الطلب سيستمر بالتزايد و"سيستمر الناس بالاعتماد إلى حد كبير على الطاقة الشمسية، ليس لأنها طاقة متجددة... بل لأنهم بحاجة إلى كهرباء".

وحذر من أنه في حين سمحت الطاقة الشمسية للعديد من المزارعين بعدم التخلي عن أراضيهم والانتقال إلى المدينة، إلا أنها تترافق مع كلفة بيئية مستقبلية.

وقال إن ألواح الطاقة الشمسية التي يعتمدها معظم السكان هي "إما مستخدمة وقديمة ومستوردة من أوروبا حيث اعتبرت نفايات إلكترونية"، أو هي أنظمة طاقة شمسية ذات جودة منخفضة ومصنعة في غالبية الأحيان في الصين.

وأشار حسن إلى أن مثل هذه المواد لا تتجاوز فترة تشغيلها بضع سنوات.

وأوضح "بعد ذلك، ستبقى بحوزتنا عشرات آلاف ألواح الطاقة الشمسية غير القابلة للاستخدام، أي نفايات بمعنى آخر"، وذلك في منطقة لا تتمتع بالمرافق الملائمة لمعالجتها.

هل أعجبك هذا المقال؟


يرجى إدخال الأرقام *