بيئة

قطع الأشجار غير القانوني يحول غابات سوريا إلى ’أرض قاحلة‘

تسببت الحرب التي دامت 12 عاما والتي أدت إلى ارتفاع حاد في أعمال قطع الأشجار إلى جانب آثار تغير المناخ وعوامل أخرى، بتآكل المساحات الخضراء في سوريا.

امرأة تمتطي حمارا وتحمل خشبا من الأشجار المقطوعة من محمية جبل عبد العزيز الطبيعية بالقرب من مدينة الحسكة في شمالي شرقي سوريا بتاريخ 19 تشرين الثاني/نوفمبر. [دليل سليمان/وكالة الصحافة الفرنسية]
امرأة تمتطي حمارا وتحمل خشبا من الأشجار المقطوعة من محمية جبل عبد العزيز الطبيعية بالقرب من مدينة الحسكة في شمالي شرقي سوريا بتاريخ 19 تشرين الثاني/نوفمبر. [دليل سليمان/وكالة الصحافة الفرنسية]

وكالة الصحافة الفرنسية |

على ضفة نهر في منطقة شمال سوريا التي مزقتها الحرب، أدى قطع الأشجار إلى تحويل ما كان ذات يوم غابة خضراء إلى أشجار متناثرة وجذوع هالكة تبرز من التربة الجافة والمتفتتة.

وتسببت الحرب التي دامت 12 عاما والتي أدت إلى ارتفاع حاد في أعمال قطع الأشجار إلى جانب آثار تغير المناخ وعوامل أخرى، بتآكل المساحات الخضراء في سوريا.

وقال أحمد الشيخ، 40 عاما، وهو صاحب سوبر ماركت في قرية جعبر الواقعة بجزء محافظة الرقة السورية الخاضع للأكراد، إن الغابة المنحسرة على ضفاف نهر الفرات "تتقلص كل عام".

وأضاف أنه في السابق "كانت الغابة تجذب السياح والطيور وتنقي الهواء وتحمي المنطقة من العواصف الترابية".

جذوع الأشجار في محمية الطبقة بالقرب من قرية جعبر بمحافظة الرقة شمالي شرقي سوريا في 11 تموز/يوليو. [دليل سليمان/وكالة الصحافة الفرنسية]
جذوع الأشجار في محمية الطبقة بالقرب من قرية جعبر بمحافظة الرقة شمالي شرقي سوريا في 11 تموز/يوليو. [دليل سليمان/وكالة الصحافة الفرنسية]

ولكن دفع نقص الوقود وتفشي الفقر خلال الحرب بالعديد من السوريين إلى قطع الأشجار لبيعها أو استخدامها للتدفئة، موجهين بذلك ضربة للطبيعة المحيطة بجعبر.

وقبل الحرب، كانت القرية منطقة تجذب السياح نظرا لقلعتها القديمة، وقد أطلق فيها مشروع إعادة التشجير في منتصف التسعينيات ما وفر للمنطقة عازلا نادرا من الحرارة الحارقة.

وذكر الشيخ "يقطع بعض الناس الأشجار لبيعها وكسب المال، والبعض الآخر يقطعها للتدفئة خلال فصل الشتاء".

وتابع "إذا استمر الأمر على هذا المنوال، فإن التصحر آت لا محالة".

وقال سكان لوكالة الصحافة الفرنسية إنهم يسمعون قاطعي الأشجار وهم يتوجهون ليلا على متن دراجات نارية إلى الغابة لقطع الأشجار.

وحتى في وضح النهار، يتسلل الشباب إلى الغابة لقطع الأشجار، متملصين من حفنة حراس الغابات الذين يقومون بدوريات في المساحات الخضراء الشاسعة.

’اختفاء الظل‘

هذا وأدت الحرب السورية إلى مقتل أكثر من 500 ألف شخص ونزوح الملايين.

ودمرت الحرب البيئة أيضا، ما أدى إلى خسارة "مقلقة" للغطاء الحرجي في مختلف أنحاء البلاد، حسبما حذرت مجموعة بناء السلام الهولندية باكس في تقرير صدر عنها في وقت سابق من العام الجاري.

ووفقا لبيانات منظمة مراقبة الغابات العالمية، شهدت البلاد "منذ عام 2000 انخفاضا بنسبة 26 في المائة في الغطاء الشجري".

وعلى بعد 10 كيلومترات من جعبر، لقيت أشجار التويهينة المصير نفسه.

وقال محمد علي وهو محاط بجذوع الأشجار المتناثرة على الأرض التي حرقتها الشمس، "في طفولتي كنا نأتي إلى هنا مع الأصدقاء لنجلس تحت ظلال أشجار الكينا والصنوبر".

وأضاف الممرض ويبلغ من العمر 30 عاما "لكنها اليوم أصبحت أرضا قاحلة. اختفى الظل ولم يعد هناك في كل مكان سوى حرارة الشمس".

وتابع في إشارة إلى بحيرة الأسد التي تعتبر أكبر خزان للمياه العذبة في سوريا إن "العواصف الترابية لا تتوقف أبدا والبحيرة تجف ولم يعد هناك أشجار".

وانخفضت مستويات المياه وتفاقم التلوث في نهر الفرات والخزان الذي يغذيه وتراجع تدفق النهر أكثر بسبب السدود التي أنشأت على المنبع في تركيا.

وعزا تقرير باكس زوال الغابات في سوريا إلى حد كبير إلى قطع الأشجار وتشجيبها لاستخدامها كحطب.

وجاء في التقرير أيضا أن "ارتفاع أسعار الوقود إلى جانب النزوح الجماعي شكلا المحرك الرئيس لزوال الغابات على نطاق واسع في جميع أنحاء سوريا".

وأوضح أن "المدنيون يقطعون الأشجار لأغراض الطهي والتدفئة، لكن من جهة أخرى ثمة دلائل واضحة على أن الجماعات المسلحة تستخدم أيضا قطع الأشجار غير القانوني وبيع الأخشاب كمصدر للدخل".

’غطاء من الخضرة‘

وقال تقرير باكس إن الغابات التي كانت كثيفة في غرب سوريا "عانت من أكبر قدر من التدهور الناجم عن الحرب" والسبب الرئيس هو قطع الأشجار إضافة إلى اندلاع حرائق في الغابات.

ووفقا لباكس أيضا، فقدت محافظات اللاذقية وحماة وحمص وإدلب ما لا يقل عن 36 في المائة من أشجارها في العقد الذي لحق العام 2011، وهو العام الذي اندلعت فيه الحرب.

وفي حديثه لوكالة الصحافة الفرنسية، قال الرئيس المشترك لهيئة البيئة التابعة للإدارة الكردية شبه المستقلة إبراهيم أسعد إن السلطات في شمالي شرقي البلاد لا تملك "بيانات دقيقة" عن الأضرار لكن تأثيرها "واضح".

فقبل الحرب، كانت المنطقة تعتبر منتجة للحبوب في البلاد، لكنها شهدت في السنوات الأخيرة موجات جفاف شديدة وانخفاض في هطول الأمطار.

وعلى مشارف مدينة الحسكة الواقعة شرقا، عانت محمية جبل عبد العزيز من فترات الجفاف وبعض أعمال قطع الأشجار بشكل غير قانوني.

وقال حسين صالح الحلو، 65 عاما وهو من سكان قرية الناصري، إن الأشجار وفرت "غطاء من الخضرة".

ولكنه ذكر وحوله أراض وتلال شاسعة وقاحلة، أنه اليوم "الماء غير متوفر والأشجار القريبة من القرية ذبلت... وبدأ الناس في قطعها".

ولفت الحلو إلى أن "قطع الأشجار كان له تأثير كبير على القرية".

وأكد أن "درجة الحرارة ارتفعت، ولم يعد الطقس اليوم كما كان عليه سابقا".

هل أعجبك هذا المقال؟


يرجى إدخال الأرقام *