طاقة

دول الخليج تراهن على الهيدروجين ʼالأخضرʻ أو ما يعرف بـ ʼوقود المستقبلʻ

في ظل تراجع عائدات النفط، تستثمر السعودية والإمارات وعُمان بصورة مكثفة في الوقود الصديق للبيئة بحثا عن عائدات بديلة للنفط الخام والغاز.

تقوم السعودية بإنشاء أكبر معمل للهيدروجين الأخضر في العالم في نيوم، وهي المدينة الضخمة المستقبلية المبنية على البحر الأحمر والتي تبلغ كلفة إنشائها 500 مليار دولار. [نيوم]
تقوم السعودية بإنشاء أكبر معمل للهيدروجين الأخضر في العالم في نيوم، وهي المدينة الضخمة المستقبلية المبنية على البحر الأحمر والتي تبلغ كلفة إنشائها 500 مليار دولار. [نيوم]

هاشم عسيران (وكالة الصحافة الفرنسية) |

دبي -- بعد الاستفادة من ازدهار الوقود الأحفوري على مدى عقود، باتت دول الخليج العربي تركز على الهيدروجين "الأخضر" في ظل سعيها لتحويل توجه اقتصاداتها والتخفيف من الأزمة المالية في نفس الوقت.

حيث تستثمر بلدان منتجة للنفط مثل السعودية والإمارات وعُمان بصورة مكثفة في الوقود الصديق للبيئة بحثا عن عائدات بديلة للنفط الخام والغاز.

ويبدو أن الهيدروجين الأخضر، وهو الهيدروجين المنتج عندما تقوم الطاقة المتجددة بتحليل المياه، يحل الكثير من المشاكل. فيتسبب بنسبة تلوث منخفضة وله استخدامات محتملة كثيرة، ما يمكن أن يجعله مربحا ومنقذا للكوكب في الوقت عينه.

ولكن لا يزال هذا الوقود، الذي يشكل حاليا أقل من 1 في المائة من إجمالي إنتاج الهيدروجين، غير مجد تجاريا ويحتاج إلى زيادة كبيرة في مصادر الطاقة المتجددة، وهي عملية قد تتطلب سنوات عديدة.

ورغم ذلك، تجد دول الخليج فرصة لمواصلة لعب دور أساسي في أسواق الطاقة في ظل تراجع عائدات النفط.

وفي هذا السياق، قال الخبير في مركز تشاتام هاوس البحثي في بريطانيا إن "دول الخليج تهدف إلى قيادة سوق الهيدروجين العالمي".

وأضاف أنها "تعتبر الهيدروجين الأخضر أساسيا لبقائها كقوى عالمية في مجال الطاقة، ما يسمح لها بمواصلة بسط نفوذها مع تراجع الطلب على الوقود الأحفوري".

ويتم إنتاج معظم الهيدروجين من الوقود الأحفوري الملوث، إلا أنه يتم استخراج الهيدروجين الأخضر من المياه باستخدام الطاقة المتجددة كالرياح والطاقة الشمسية والمائية.

وفي حين ينتج الوقود الأحفوري غازات دفيئة مضرة عند احتراقها، لا ينبعث من الهيدروجين إلا بخار ماء. ويتم الترويج له لاستخدام محتمل في الصناعات عالية التلوث كالنقل والشحن والفولاذ.

ʼأهم الجهات المصدّرةʻ

ومستفيدة من رأسمالها الاستثماري الهائل، تقوم السعودية الغنية بالنفط ببناء أكبر معمل للهيدروجين الأخضر في العالم في مدينة نيوم، وهي المدينة الضخمة المستقبلية المبنية على البحر الأحمر والتي تبلغ كلفة إنشائها 500 مليار دولار.

وقال مسؤولون إن المعمل الذي تبلغ قيمته 8.4 مليار دولار سيشمل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لإنتاج ما يصل إلى 600 طن من الهيدروجين الأخضر كل يوم مع نهاية العام 2026.

وفي تموز/يوليو، أقرت الإمارات، التي ستستضيف مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ (كوب 28) خلال العام الجاري، استراتيجية حول الهيدروجين تهدف إلى جعلها واحدة من أكبر 10 جهات منتجة للهيدروجين بحلول العام 2031.

وفي هذا السياق، قالت حنان بالعلا، وهي من كبار المسؤولين في شركة بترول أبو ظبي الوطنية بالإمارات، إن "الهيدروجين سيصبح وقودا أساسيا للتحول في مجال الطاقة"، واصفة ذلك بـ"الامتداد الطبيعي" للشركة.

وذكرت لوكالة الصحافة الفرنسية "نعتبر أن للهيدروجين والوقود الناقل له مستقبلا واعدا كوقود جديد ذي نسبة كربون قليلة، وأن الإمارات في وضع جيد يسمح لها بالاستفادة منه".

ولكن يبدو أن عُمان، التي تأتي وراء السعودية والإمارات في إنتاج الوقود الأحفوري، هي التي تبدو مستعدة للتفوق في السباق الخليجي على الهيدروجين النظيف.

وذكرت الوكالة الدولية للطاقة أن السلطنة في طريقها لتصبح سادس أكبر مصدّر عالميا والأكبر في الشرق الأوسط مع نهاية العقد الحالي.

وأوضحت الوكالة أن عُمان تهدف لإنتاج ما لا يقل عن مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويا بحلول العام 2030، وما يصل إلى 8.5 مليون طن بحلول العام 2050، "وهذا ما يتجاوز إجمالي الطلب على الهيدروجين في أوروبا اليوم".

وبحسب شركة التدقيق ديلويت، ستقود دول الشرق الأوسط، وبصورة أساسية دول الخليج، التجارة العالمية للهيدروجين العالمي على المدى القصير، على أن تصدّر نحو نصف إنتاجها المحلي مع حلول العام 2030.

وأضافت الشركة في تقرير صدر في حزيران/يونيو أنه بحلول العام 2050، من المتوقع أن يكون لشمال إفريقيا وأستراليا فرص التقدم الأكبر، رغم أن دول الخليج ستبقى "أهم الجهات المصدّرة".

أمل أم ضجة إعلامية؟

هذا ولم يحد الاستثمار في الهيدروجين الأخضر من التوسع في قطاع النفط والغاز، إذ تخطط كل من الإمارات والسعودية لتعزيز صناعاتها الهيدروكربونية.

ويتوقع خبراء أن تمر سنوات قبل أن تتمكن دول الخليج من إنتاج الهيدروجين الأخضر بكلفة منافسة للبدائل المستندة إلى الوقود الأحفوري.

ومع تراجع كلفة الطاقة المتجددة بسبب التطور التكنولوجي، لا يمكن حتى اليوم تحقيق أرباح من إنتاج الهيدروجين الأخضر.

وبدورها، قالت الباحثة المشاركة في معهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سنغافورة الوطنية عائشة السريحي إن "دول الخليج ستركز على تعظيم مبيعات الهيدروكربونات لأطول فترة ممكنة".

وتابعت أن "الأمر سيتلزم سنوات من التجربة والخطأ قبل أن يصبح الهيدروجين الأخضر سلعة تجارية"، مضيفة أنه "يمكن أن يصبح وقود المستقبل" فور نضوج التكنولوجيا التي يعتمد عليها وتراجع كلفة إنتاجه.

كذلك، لا يزال الطلب على الهيدروجين غير واضح.

ولكن دول الخليج هي الجهات المزودة للطاقة منذ فترة طويلة لدول آسيوية تعتمد على الاستيراد مثل اليابان وكوريا الجنوبية، علما أن هذه الأخيرة تنوي تضمين الهيدروجين في خططها الرامية إلى الحد من استهلاك الكربون.

مع ذلك، حذر وزير التغير المناخي السابق في الإمارات عبد الله النعيمي من أن "البنية التحتية الحالية لنقل الهيدروجين غير ملائمة وستتطلب استثمارا ضخما لتعديلها".

وقال لوكالة الصحافة الفرنسية إن "الفترة اللازمة لتجاوز التحديات المرتبطة بالهيدروجين وحلها طويلة للغاية".

هل أعجبك هذا المقال؟


يرجى إدخال الأرقام *