عدالة

فرنسا تصدر مذكرة توقيف تاريخية بحق الأسد

الرئيس السوري متهم بالمشاركة في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب على خلفية الهجمات الكيميائية التي أدت إلى اختناق المئات حتى الموت.

ملصق يصور الرئيس السوري بشار الأسد وهو يرتدي قناعا واقيا من الغاز رُفع في مدينة عفرين الشمالية التي تسيطر عليها قوات المعارضة يوم 20 آب/أغسطس، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة للهجمات الكيميائية التي أدت إلى مقتل 1400 شخص في الغوطة الشرقية خارج دمشق. [رامي السيد/وكالة الصحافة الفرنسية]
ملصق يصور الرئيس السوري بشار الأسد وهو يرتدي قناعا واقيا من الغاز رُفع في مدينة عفرين الشمالية التي تسيطر عليها قوات المعارضة يوم 20 آب/أغسطس، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة للهجمات الكيميائية التي أدت إلى مقتل 1400 شخص في الغوطة الشرقية خارج دمشق. [رامي السيد/وكالة الصحافة الفرنسية]

فريق عمل الفاصل ووكالة الصحافة الفرنسية |

باريس -- أصدرت فرنسا الأربعاء، 15 تشرين الثاني/نوفمبر، مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس السوري بشار الأسد المتهم بالمشاركة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب عبر هجمات كيميائية.

وتأتي هذه الخطوات فيما يتوقع أن تصدر محكمة العدل الدولية الخميس حكما في قضية مرفوعة ضد سوريا على خلفية تعذيب مئات الآلاف من أبناء شعبها.

وإضافة إلى مذكرة التوقيف بحق الرئيس السوري، صدرت مذكرة توقيف دولية بحق شقيقه ماهر الأسد الذي يترأس الفرقة الرابعة بالجيش السوري وعميدين سوريين آخرين.

الفرقة الرابعة متورطة بشدة في تجارة المخدرات غير القانونية، ولا سيما تجارة الكبتاغون، التي توفر مصدر دخل أساسيا للنظام السوري.

سوري يحمل صورة تظهر بشار الأسد كقاتل في بلدة الدانا بمحافظة إدلب يوم 24 أيار/مايو 2021. [عارف وتد/وكالة الصحافة الفرنسية]
سوري يحمل صورة تظهر بشار الأسد كقاتل في بلدة الدانا بمحافظة إدلب يوم 24 أيار/مايو 2021. [عارف وتد/وكالة الصحافة الفرنسية]
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلتقي نظيره السوري بشار الأسد في الكرملين في موسكو يوم 15 آذار/مارس. يواجه الرئيسان مذكرات توقيف على خلفية ارتكابهما لجرائم حرب. [فلاديمير غيردو/سبوتنيك/وكالة الصحافة الفرنسية]
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يلتقي نظيره السوري بشار الأسد في الكرملين في موسكو يوم 15 آذار/مارس. يواجه الرئيسان مذكرات توقيف على خلفية ارتكابهما لجرائم حرب. [فلاديمير غيردو/سبوتنيك/وكالة الصحافة الفرنسية]

وصدرت مذكرات توقيف بحق العميد غسان عباس، مدير الفرع 450 من مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، والعميد بسام الحسن، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الاستراتيجية وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية.

ويوفر مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية وظائف البحوث والتطوير للجيش السوري. وبحسب الاستخبارات الفرنسية، فهو مسؤول عن إنتاج مواد سامة لاستخدامها في الحرب.

ويزعم أن الفرع 450 مسؤول عن تعبئة الذخائر بمواد كيميائية وحفظ أمن مخزونات المواد الكيميائية.

وفي إحدى الفظائع الكثيرة في الصراع الذي دام أكثر من عشر سنوات، تسببت هجمات بغاز السارين في وفاة أكثر من 1400 شخص بالاختناق بالقرب من دمشق في آب/أغسطس 2013.

وكانت وحدة الجرائم ضد الإنسانية التابعة لمحكمة في باريس تنظر في الهجمات الكيميائية منذ العام 2021.

وجاء التحقيق بناء على شكوى قدمها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير ومبادرة عدالة المجتمع المفتوح بنقابة المحامين والأرشيف السوري الذي يوثق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.

وأشادت الجهات مقدمة الشكوى القانونية بالإجراء الذي اتخذ يوم الأربعاء، قائلة إنها المرة الأولى التي يصبح فيها رئيس دولة حالي خاضعا لمذكرة توقيف في بلد آخر على خلفية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ولاية قضائية عالمية

يذكر أنه يمكن لفرنسا أن تحاكم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المزعومة التي ترتكب في أي مكان في العالم بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية.

فالولاية القضائية العالمية تسمح للدول بمحاكمة أخطر الجرائم بغض النظر عن مكان ارتكابها.

ومن المقرر أن تعقد المحاكمة الأولى ضد مسؤولين بارزين بالنظام السوري في فرنسا في أيار/مايو 2024.

وكانت ألمانيا قد استخدمت مبدأ الولاية القضائية العالمية لإدانة عقيد سوري سابق، هو أنور رسلان، على خلفية جرائم ضد الإنسانية، وأصدرت بحقه حكما بالسجن المؤبد في أول محاكمة عالمية على خلفية التعذيب برعاية الدولة في السجون السورية.

وأدين رسلان الذي انتقل إلى ألمانيا بعد فراره من الجيش السوري على خلفية الإشراف على مقتل 27 شخصا وتعذيب 4000 آخرين في مركز احتجاز بدمشق في الفترة بين 2011 و2012.

وبعد أيام من الحكم عليه في كانون الثاني/يناير 2022، حوكم طبيب سوري، هو علاء موسى، في فرانكفورت بتهمة التعذيب والقتل وجرائم ضد الإنسانية في المستشفيات العسكرية، بما في ذلك حرق الأعضاء التناسلية لفتى مراهق.

وكانت السويد أول دولة تصدر حكما ضد جندي سوري على خلفية جرائم حرب في عام 2017.

وقد اتهم الرجل، الذي لجأ إلى السويد، على خلفية صور منشورة على شبكة الإنترنت تظهره وهو يقف مبتسما فوق مجموعة من الجثث، مع وضع حذائه على إحداها.

وفي حين لم تتمكن المحكمة من إثبات مسؤوليته عن الوفيات، قالت إن الصور تمثل انتهاكا جسيما لكرامة الموتى وحكمت عليه بالسجن لمدة ثمانية أشهر.

'لحظة تاريخية'

ووصف مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير مازن درويش مذكرة التوقيف بحق الأسد بأنها "تطور هائل".

وأوضح أن "محكمة مستقلة تعترف بأن الهجوم بالسلاح الكيميائي لم يكن ليتم من دون علم الرئيس السوري، وأنه يتحمل المسؤولية وينبغي محاسبته".

وأكد درويش أن القضية ضد الأسد والآخرين تدعمها شهادات شهود مباشرة وتحليل معمق لتسلسل القيادة في الجيش السوري.

وقال ستيف كوستاس من مبادرة عدالة المجتمع المفتوح إن "هذه لحظة تاريخية، لأنه بفضل هذه القضية، أصبح لدى فرنسا فرصة لترسيخ مبدأ أنه لا يوجد إفلات من العقوبة لأخطر الجرائم الدولية، وحتى على أعلى المستويات".

ووفق مصدر مقرب من التحقيق، فإن مذكرات التوقيف توجت "عملا شاقا" قام به المحققون في وحدة الجرائم ضد الإنسانية التابعة لمحكمة في باريس التي تتابع الجرائم الدولية.

وأضاف المصدر أن الهدف هو "المضي لأعلى مستوى ممكن في تسلسل القيادة".

وتابع "إذا توقفت عند طيار المروحية الذي ألقى القنبلة، سيتمكن من القول 'كنت أنفذ الأوامر فقط'. وكلما ذهبت للوراء، كلما كبرت المسؤولية".

وفي عام 2013، نشر نشطاء فيديوهات هواة على موقع يوتيوب يقال إنها تظهر آثار الهجوم، بما في ذلك تصوير عشرات الجثث وهي ملقاة على الأرض، والكثير منها تعود لأطفال.

وتظهر صور أخرى أطفالا وهم فاقدو الوعي وأشخاصا تخرج الرغوة من أفواههم وأطباء يعطونهم أوكسجين لمساعدتهم على التنفس.

وأثارت المشاهد الاشمئزاز والاستهجان حول العالم.

ولاحقا قال تقرير للأمم المتحدة إنه يوجد دليل واضح على استخدام غاز السارين.

سلسلة من الهجمات الكيميائية

وكانت سوريا قد وافقت في العام 2013 على الانضمام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية والتخلي عن كل الأسلحة الكيميائية.

ومنذ ذلك الحين، حملت المنظمة النظام السوري المسؤولية عن سلسلة من الهجمات الكيميائية التي نفذت خلال الحرب.

إلا أن النظام السوري أنكر هذه المزاعم، الأمر الذي أثار شكاوى قانونية في ألمانيا ودول أوروبية أخرى.

هذا ومن المقرر أن تصدر محكمة العدل الدولية يوم الخميس حكما في قضية مرفوعة ضد سوريا على خلفية تعذيب عشرات الآلاف من مواطنيها .

وهذه القضية مرفوعة من قبل كندا وهولندا، وتهدف لجعل محكمة العدل الدولية تصدر أمرا للنظام السوري لإيقاف ما وصفه المدعون بأنه نظام تعذيب "واسع ومتفش" ما يزال قائما.

يذكر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي دعم الأسد عبر التدخل في الصراع عسكريا في عام 2015، أصبح هو نفسه هدفا لمذكرة توقيف صدرت بحقه في آذار/مارس عن المحكمة الجنائية الدولية على خلفية جرائم حرب في أوكرانيا .

يذكر أن النظام الإيراني داعم قوي للأسد.

هل أعجبك هذا المقال؟


يرجى إدخال الأرقام *