حقوق الإنسان

تقرير يكشف دور مستشفى عسكري بدمشق كبوابة إلى المقابر الجماعية

ذكرت مجموعة حقوقية أن مستشفى تشرين لعب دورا أساسيا في حالات الاختفاء القسري والتستر على التعذيب وتزوير أسباب الوفاة.

معتقلون يبسطون أيديهم عبر قضبان زنزاناتهم في صورة غير مؤرخة التقطت داخل سجن صيدنايا في سوريا. [الصورة من أرشيف بشير البسام]
معتقلون يبسطون أيديهم عبر قضبان زنزاناتهم في صورة غير مؤرخة التقطت داخل سجن صيدنايا في سوريا. [الصورة من أرشيف بشير البسام]

فريق عمل الفاصل ووكالة الصحافة الفرنسية |

قالت منظمة حقوقية ومعتقلون سابقون إن سلطات النظام السوري أساءت معاملة المعتقلين وتركتهم يموتون في مستشفى عسكري بدمشق، مستخدمة المنشأة للتغطية على تعذيب السجناء.

وبحسب تقرير صدر عن رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا يوم الثلاثاء، 3 تشرين الأول/أكتوبر، نادرا ما يتلقى السجناء المرضى الذين يرسلون من مراكز الاحتجاز إلى مستشفى تشرين العسكري أي رعاية طبية.

وعوضا عن ذلك، مارست قوات الأمن في سجن المستشفى وحتى الطاقم الطبي والإداري "تعذيبا وحشيا" على المعتقلين بما في ذلك العنف الجسدي والنفسي، حسبما جاء في تقرير "دفنوهم بصمت" الذي أعدته الرابطة الرقابية من مقرها في تركيا.

ويغطي التقرير الانتهاكات التي ارتكبت منذ اندلاع الحرب السورية في عام 2011 وحتى عام 2020، علما أن معديه يعتبرون أن العديد من الممارسات لا تزال مستمرة.

المؤسس الشريك في رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا دياب سرية ينظر إلى شاشة كمبيوتر تعرض صفحة عن السجن في الموقع الإلكتروني لمنظمة العفو الدولية في مكتبه في مدينة غازي عنتاب التركية يوم 12 آب/أغسطس 2022. [عمر الحاج قدور/وكالة الصحافة الفرنسية]
المؤسس الشريك في رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا دياب سرية ينظر إلى شاشة كمبيوتر تعرض صفحة عن السجن في الموقع الإلكتروني لمنظمة العفو الدولية في مكتبه في مدينة غازي عنتاب التركية يوم 12 آب/أغسطس 2022. [عمر الحاج قدور/وكالة الصحافة الفرنسية]
صورة غير مؤرخة لرجال أجسادهم هزيلة، التقطت داخل سجن صيدنايا في سوريا. [الصورة من أرشيف بشير البسام]
صورة غير مؤرخة لرجال أجسادهم هزيلة، التقطت داخل سجن صيدنايا في سوريا. [الصورة من أرشيف بشير البسام]
معتصم عبد الساتر الذي كان سجينا في صيدنايا يرسم مخططا بدائيا لمبنى السجن خلال مقابلة أجريت معه في منزله في الريحانية بمحافظة هاتاي جنوبي تركيا بالقرب من الحدود مع سوريا يوم 10 آب/أغسطس 2022. [عمر الحاج قدور/وكالة الصحافة الفرنسية]
معتصم عبد الساتر الذي كان سجينا في صيدنايا يرسم مخططا بدائيا لمبنى السجن خلال مقابلة أجريت معه في منزله في الريحانية بمحافظة هاتاي جنوبي تركيا بالقرب من الحدود مع سوريا يوم 10 آب/أغسطس 2022. [عمر الحاج قدور/وكالة الصحافة الفرنسية]

وقال السجين السابق أبو حمزة، 43 عاما، إنه نقل إلى سجن مستشفى تشرين 3 مرات أثناء فترة احتجازه، لكنه رأى الطبيب مرة واحدة فقط.

وأضاف وقد سجن 7 سنوات قضى بعضها في سجن صيدنايا سيء السمعة في ضواحي دمشق، أن "السجناء كانوا يخشون الذهاب إلى المستشفى لأن الكثير منهم لم يعودوا".

وتابع أبو حمزة الذي استخدم كرفاقه اسمه الأول أو أسما مستعارا خوفا من الانتقام، "أولئك الذين كانوا مرضى للغاية تركوا ليموتوا في الحجز بالمستشفى".

وأردف "إن كان الواحد منا قادرا على السير يعود إلى السجن".

وتأسست رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا على يد معتقلين سابقين احتجزوا في صيدنايا الذي يعد أكبر سجن في سوريا، وبات اسمه مرادفا للتعذيب وأسوأ الانتهاكات التي ارتكبها النظام.

’ثقب أسود يبتلع الجميع‘

وفي تقرير صدر في تشرين الأول/أكتوبر 2022، قدرت الرابطة أن أكثر من 30 ألف معتقل قضوا في هذا السجن بين عامي 2011 و2018 إما إعداما أو نتيجة التعذيب أو نقص الرعاية الطبية أو المجاعة.

ويُعتقد أن النظام السوري أعدم ما لا يقل عن 500 معتقل إضافي بين عامي 2018 و2021، بحسب شهادات ناجين وثقتها الرابطة.

وكشف تقرير العام 2022 كيف تخلص مستشفى تشرين من جثث المعتقلين بعد إعدامهم ونقلهم في "شاحنات اللحوم" المبردة لدفنهم في مقابر جماعية.

وجاء في التقرير أنه كان يتم جمع جثث المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب حتى الموت أو ماتوا بسبب المرض أو الجوع في زنزانات السجن ويتم حفظها لمدة تصل إلى 48 ساعة في "غرف الملح" قبل نقلها إلى مستشفى تشرين حيث يتم إصدار شهادة الوفاة.

واستعرض التقرير التسلسل الهرمي العسكري وتسلسل القيادة والأوامر في سجن صيدنايا، واصفا هذا الأخير بأنه "أحد أكثر الأماكن سرية في سوريا".

ووصف تصميم السجن ودفاعاته وهيكله الإداري بالتفصيل وشرح كيف تم تحصينه لصد الهجمات الخارجية المحتملة وقمع السجناء.

وكشف كيف أن مبنى السجن الواقع على قمة تلة في منطقة جبلية شمالي دمشق، محمي ضد التهديدات الداخلية والخارجية من قبل مئات الحراس ومحاط بحقلي ألغام.

وجاء في التقرير أن إحدى الوحدات كلفت تحديدا بمهمة مراقبة جميع الاتصالات الأرضية واللاسلكية الواردة والصادرة إلى السجن والمنطقة المحيطة به ومنهما، وكذلك جميع الاتصالات اللاسلكية القريبة.

وقال المؤسس الشريك في رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا دياب سرية وهو معتقل سابق إن "النظام أراد أن يكون هذا المكان بمثابة ثقب أسود يبتلع كل من يقترب منه ولا تخرج منه أي معلومات في ظل إفلات تام من العقاب وانتهاك للعدالة".

تُركوا للموت بين الجثث

وذكر أبو حمزة أن الحراس في سجن المستشفى "اقتحموا المكان ذات مرة وأمرونا بالاستلقاء على الأرض"، وضربوهم مدة 15 دقيقة قبل أن يغادروا.

ووفقا لتقرير الرابطة الجديد، فإن المعتقلين الذين ماتوا أثناء الاحتجاز بسبب التعذيب أو الظروف السيئة ولا سيما في صيدنايا، تم نقلهم إلى مستشفى تشرين ثم إلى "مقابر جماعية" بالقرب من العاصمة.

وقال التقرير إن السجناء الذين يصلون إلى المستشفى يُحتجزون في البداية "في الغرفة نفسها التي تجمع فيها جثث المعتقلين" ويجبر المحتجزون المرضى على المساعدة في نقل هذه الجثث.

وكشف أبو حمزة أنه أجبر على الكدح لساعات حافي القدمين وفي البرد القارس، حيث كان ينقل الجثث في سيارة من سجن صيدنايا لتفريغها في مستشفى تشرين القريب منه.

وهناك كان عناصر قوات الأمن يكتبون رقما على الجثة أو على قطعة من الورق، وبعدها يقوم المصور بالتقاط صور للموتى.

وقال تقرير الرابطة إن الجثث لم تشرّح وإن المستشفى كان يصدر "شهادات وفاة تحتوي على معلومات كاذبة"، فكان يشير في كثير من الأحيان إلى نوبة قلبية أو فشل كلوي أو سكتة دماغية كسبب للوفاة.

وفي بعض الأحيان، كان يتم وضع سجناء هم "بين الحياة والموت" بين الجثث فيتركون ليموتوا أو ليقتلوا حتى، بحسب ما جاء في التقرير.

واستذكر أبو حمزة معتقلا كان "يكافح للبقاء حيا" في سجن المستشفى.

وقال "لم يحضروا طبيبا. وبدلا من ذلك وضعوه بين الجثث وتركوه ليموت".

ولفت التقرير إلى أن ضباط السجن كانوا يعمدون أحيانا إلى قتل بعض المحتجزين الذين يعانون من مرض بالغ أو كانوا يأمرون السجناء بالمشاركة في القيام بذلك.

دور محوري في حالات الاختفاء

وأكد سرية المؤسس الشريك في الرابطة أن مستشفى تشرين يلعب "دورا أساسيا في حالات الاختفاء القسري والتستر على التعذيب وتزوير أسباب الوفاة" وغيرها من الانتهاكات التي ترقى إلى مستوى "الجرائم ضد الإنسانية".

وأوضح أن "ما يحدث داخل مستشفى تشرين والمستشفيات العسكرية الأخرى هو سياسة ممنهجة" تتبعها السلطات.

وذكر "يقدم التقرير معلومات دقيقة عن جرائم تعذيب وحشية حصلت في مستشفى تشرين العسكري، كما يحدد بدقة أماكن دفن المعتقلين المتوفين والجهات التي تحتفظ بنسخ عن ملفاتهم".

وأشار التقرير إلى أن النظام "لا يستطيع الإنكار أو الادعاء بجهل هوية الضحايا"، مضيفا أن "لا شيء يمنعه من الكشف عن أسماء وأعداد المعتقلين المتوفين سوى الإرادة السياسية".

وجاء في التقرير أن وجود مثل هذه السجلات والوثائق يوفر فرصة "لاستجلاء مصير المفقودين في سوريا وأماكن وجودهم لتحديد نقطة انطلاق أولى للكشف عن مصير الضحايا”.

ميسرو النظام الأجانب

ولطالما اتهمت جماعات حقوق الإنسان نظام بشار الأسد بتعذيب المعتقلين وإعدام السجناء دون محاكمات عادلة.

وفي عام 2011، قامت قوات النظام السوري بقمع المتظاهرين السلميين، ما أدى إلى اندلاع حرب معقدة خلفت أكثر من 500 ألف قتيل وأجبرت الملايين على الفرار.

وتوفي ما يصل إلى خُمس هذا العدد في السجون التي يديرها النظام، وفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وتم التقاط بعض الصور المروعة التي هربها "قيصر" المنشق الذي كان يعمل مصورا لدى الشرطة العسكرية، في مستشفى تشرين تحديدا بحسب جماعات حقوقية.

وتجري حاليا محاكمة طبيب سوري في ألمانيا بتهمة التعذيب والقتل وارتكاب جرائم ضد الإنسانية أثناء عمله في المستشفيات العسكرية في بلاده.

ورفعت دعاوى قضائية ضد الحكومة السورية ومسؤولين بتهمة التعذيب في دول أخرى في أوروبا، وكذلك في الولايات المتحدة وأمام محكمة العدل الدولية.

واستهدفت العقوبات أيضا الميسرين الأجانب للنظام بصورة متكررة.

وأشار مراقبون إلى أن إيران متواطئة في ذبح النظام للمدنيين السوريين، من خلال إرسال ميليشيات إلى سوريا لدعمه.

إلى هذا، تدعم الميليشيات الممولة من روسيا قوات النظام السوري أيضا، ولا سيما في الجزء الجنوبي من البلاد.

هل أعجبك هذا المقال؟


يرجى إدخال الأرقام *