حقوق الإنسان
سوريا أمام المحكمة الدولية بسبب معاملتها ’البغيضة‘ لشعبها
قال سجين سابق وناشط إن التطبيع مع النظام السوري هو بمثابة "تطبيع مع دولة تعذب الناس على مدار الساعة".
فريق عمل الفاصل ووكالة الصحافة الفرنسية |
لاهاي -- في أول قضية دولية بشأن الحرب السورية، استمع قضاة المحكمة الدولية يوم الثلاثاء، 10 تشرين الأول/أكتوبر إلى مرافعات أفادت أن الدولة السورية عذبت عشرات الآلاف من مواطنيها وتطبق ضد شعبها نظاما "ممنهجا ومتفشيا" من "المعاملة البغيضة".
جوكانت كل من كندا وهولندا قد رفعتا دعوى ضد الدولة السورية أمام محكمة العدل الدولية، مطالبين الهيئة القضائية العالمية باتخاذ إجراءات عاجلة لوقف استمرار سوء معاملة الآلاف الذين ما يزالون محتجزين.
وقال كبير ممثلي هولندا رينيه لوفيبر للمحكمة: "كلّ يوم له أهميته".
وأضاف لوفيبر أن "الأشخاص المعتقلين في سوريا حاليا أو المعرضين لخطر الاعتقال، لا يستطيعون الانتظار فترة أطول".
وتجاهل نظام بشار الأسد السوري جلسة الاستماع، بعدما كان قد رفض القضية واصفا الاتهامات بأنها "تضليل وأكاذيب"، وقال إنها "تفتقر إلى أدنى درجة من المصداقية".
واستشهد لوفيبر بشهادات مؤلمة من معتقلين، وُصفت فيها عمليات الاغتصاب الجماعي والتشويه، وطريقة العقاب "الموحدة" التي تنطوي على وضع الأشخاص في إطار سيارة وتوجيه "الضرب المبرح" لهم.
وكانت كندا وهولندا قد طلبتا من المحكمة إصدار أوامر لسوريا "بشكل عاجل" من أجل وقف جميع أشكال التعذيب والاعتقال التعسفي، وفتح السجون أمام مفتشين من الخارج، وتبادل المعلومات مع العائلات بشأن مصير أقاربهم.
وقد تستغرق محكمة العدل الدولية سنوات للبت في قضية ما، ولكن يمكن إصدار قرار عاجل في غضون أسابيع، بناء على ما يُسمى بـ"تدابير تحفظية" تكون ملزمة قانونا.
وقال لوفيبر "نعتقد بصدق أن حياة السوريين وعيشهم معرضان للخطر ويتطلبان اهتمام المحكمة الفوري".
من جهته، قال الممثل الرئيس لكندا ألان كيسيل، إن سوريا اتخذت خيارا "مؤسفا" بعدم الحضور، مضيفا أن "هذا لا يعني أن العالم غائب".
وتابع كيسيل "يجب على حكومة الأسد الاستجابة ووقف التعذيب المتفشي في ذلك البلد... لقد رفعنا مرآة أمام السوريين وعليهم أن ينظروا في تلك المرآة".
وأشار المراقبون إلى أن إيران متواطئة في إساءة معاملة النظام للمدنيين السوريين، وذلك عبر إرسالها ميليشيات إلى سوريا لدعم النظام. ولا يمكن في هذا الإطار تجاهل دعم الميليشيات الممولة من روسيا لقوات النظام السوري.
"ظروف رهيبة"
قال السجين السابق الذي تحول إلى ناشط أحمد حلمي "قضيت في السجن بسوريا ثلاث سنوات، وأعلم يقينا أن الناس يتعرضون للتعذيب على مدار الساعة".
وتابع: "التعذيب يتواصل على مدار 24 ساعة في اليوم".
وأضاف "لا يحدث هذا أثناء الاستجواب فقط، بل يحدث أحيانا من أجل المتعة، وذلك ببساطة لأنهم يعتقدون أن لديهم حصانة من العقاب ويمكنهم أن يفعلوا ما يريدون".
وكشف حلمي في مقابلة قبيل الجلسة أن "مئات الأشخاص يموتون تحت التعذيب كل شهر". واحتج بضع عشرات من النشطاء خارج المحكمة في قصر السلام في لاهاي.
بدورها، اعتبرت بلقيس جراح من منظمة هيومن رايتس ووتش، أن محكمة العدل الدولية بحاجة إلى التحرك "لمنع المزيد من الانتهاكات ضد السوريين، الذين ما يزالون يعانون في ظل ظروف مروعة والذين تتعرض حياتهم للتهديد بشكل خطير".
وعلى الرغم من وجود قضايا جرائم حرب فردية مرتبطة بالحرب السورية في بعض البلدان، لكن لطالما كان هناك استياء بسبب عدم وجود خطة أوسع لتقديم هذه القضية أمام القضاء الدولي.
إلى ذلك، أطلق الهولنديون للمرة الأولى حملة في أيلول/سبتمبر 2020 لتحميل سوريا مسؤولية الانتهاكات المزعومة لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي وقعت عليها دمشق.
وانضمت كندا إلى القضية في آذار/مارس التالي.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، أصدرت منظمة رقابية مقرها تركيا تقريرا بعنوان "مدفونون في صمت"، يزعم أن سلطات النظام السوري أساءت معاملة المعتقلين وتركتهم يموتون في مستشفى عسكري بدمشق.
واستخدمت سلطات النظام السوري المنشأة للتغطية على تعذيب السجناء، وذلك بحسب رابطة المعتقلين والمفقودين في سجن صيدنايا ومعتقلين سابقين.
هذا وأفادت المنظمة الحقوقية، أن السجناء المرضى الذين يُرسلون من مراكز الاحتجاز إلى مستشفى تشرين العسكري نادرا ما يتلقون أي رعاية طبية.
فعوضا عن ذلك، تعمد قوات الأمن في سجن المستشفى، وحتى الطاقم الطبي والإداري، إلى ممارسة "التعذيب الوحشي" بحق المعتقلين، بما في ذلك العنف الجسدي والنفسي.
مهم للضحايا
لم تتمكن المحكمة الجنائية الدولية، وهي محكمة جرائم حرب يقع مقرها في لاهاي مثل محكمة العدل الدولية، من التعامل مع سوريا لأن دمشق لم تصادق على نظام روما الأساسي، أي المعاهدة التأسيسية للمحكمة.
اكتسبت القضية اهتماما من جديد بعد عودة الأسد إلى الحظيرة الدولية في شهر أيار/مايو، عندما حضر قمة جامعة الدول العربية.
ووصفت هيومن رايتس ووتش جلسات الاستماع بأنها "نقطة تحوَل"، معربة عن أملها في أن تسلط إجراءات محكمة العدل الدولية الضوء على فك العزلة عن الأسد.
وقال الناشط حلمي إنه على الرغم من عدم وجود فرصة لتقبل سوريا "الدولة المارقة" بقرارات محكمة العدل الدولية، إلا أن الحكم يبقى مهما للضحايا وعائلاتهم.
وأردف "نحن لا نتحدث عن محكمة محلية في مكان ما. ولست أنا من يقول إن التعذيب يحدث، بل محكمة العدل الدولية هي التي ستقول إن الناس يتعرضون للتعذيب".
وتابع "أي شخص يريد تطبيع العلاقات من جديد مع النظام السوري من يريد إعادة تطبيع النظام السوري، سيضع على جبينه وسما يقول أنت تقوم بتطبيع العلاقات مع دولة تعذب الناس 24 ساعة في اليوم".