مجتمع
النهضة الأدبية في سوريا: كتبٌ كانت محظورةً في السابق، تغمر شوارع دمشق
لعقود، مثّلت الكتب رمزًا للتحدي في سوريا، إذ كانت تُهرَّب وتُخبأ وتُقرأ في السر لتفادي قبضة الرقابة الحديدية.
![نساء يتصفحن الكتب في مكتبة بدمشق، 26 يناير/ كانون الثاني 2025. تُباع الآن روايات تروي محنة السجناء السياسيين في متاجر دمشق بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024. لؤي بشارة]وكالة الصحافة الفرنسية.[](/gc1/images/2025/09/30/52182-afp__20250126__36w64kv__v3__highres__syriaconflictbooks-600_384.webp)
موقع الفاصل |
اليوم، تمتلئ شوارع دمشق بالكتب، شاهدةً على الحرية المُستعادة بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر الماضي.
ولا مكانٌ تتجلى فيه النهضة الأدبية أكثر من حي الحلبوني بدمشق، المعروف ب "زقاق المكتبات". أصبح هذا الشارع المتزين بأغصان الأشجار الخضراء، الذي تصطف على جانبيه أكثر من عشرين مكتبةً ومطبعةً، مركزَ النهضة الأدبية في سوريا.
في قلب هذه الحركة، تقع مكتبة الفردوس، وهي متجرٌ صغيرٌ على زاوية الشارع تملكه عائلة الشرقاوي منذ عام 1920. يصف مالكها الحالي، رضوان الشرقاوي، هذا التحول بأنه ثوريٌّ بكل معنى الكلمة.
يقول الشرقاوي: "في السابق، كنا نواجه استجواباتٍ يوميةً من قِبل الأجهزة الأمنية، الآن، كل شيء مسموح. لا شيء ممنوع. هذا عصر ذهبي للكتب!"
القبضة الحديدية لنظام الأسد على الأدب
لسنوات عديدة، منع نظام الأسد أي كتاب يخرج عن منهجه. كانت أعمال المثقفين والمعارضين وكل من لا يلتزم بخط حزب البعث ممنوعة منعاً باتاً. عوملت الكتب التي تتناول التاريخ السوري أو الربيع العربي عام 2011 على أنها مواد مهربة.
يتذكر الشرقاوي كيف كانت الكتب تُعتبر، في ظل النظام، أدوات خطيرة للوعي والثقافة. يقول: "عامل النظام الكتب أسوأ من المخدرات. كانوا يخشون انتشار المعرفة وتهديد سيطرتهم".
عندما انتشر خبر سقوط بشار الأسد، سارع الشرقاوي وبائعو الكتب الآخرون إلى عرض الكتب المحظورة التي أخفوها لسنوات، والتي كانت تُباع سابقاً سراً لزبائن موثوق بهم. وسرعان ما تجمعت الحشود، متلهفة لشراء الكتب التي كانت ممنوعة في السابق.
يقول الشرقاوي: "العالم قرية صغيرة؛ لا يمكنك التحكم في المعلومات أو حظر المعرفة، سيجد الناس دائمًا طريقة للتعبير عن أنفسهم والقراءة."
عصر نهضة للكتب
من بين أكثر الأعمال رواجًا النصوص الإسلامية، التي قمعها نظام الأسد طويلًا. حتى كتب شرح وتفسير القرآن، مُنعت خوفًا من أن تُعارض الرواية الدينية المُحكمة التي يُسيطر عليها النظام.
ولكن ليست النصوص الدينية وحدها هي التي تُباع بسرعة. أخطر الكتب في عهد نظام الأسد - والأكثر طلباً الآن - هي أعمال الخيال الأدبي. غالباً ما تروي هذه العناوين التجارب المروعة التي عاشها السوريون الذين عانوا من السجن والإساءة.
من بين هذه الكتب كتاب "بيت خالتي" للكاتب أحمد العمري، وهو سرد مُرعب للأهوال التي واجهتها النساء في سجن صيدنايا سيئ الصيت.
يقول البائع المتجول حسين محمد، وهو يرفع نسخة من "بيت خالتي: "كان هذا الكتاب أخطرها. لو أُلقي القبض عليك بهذا، لَكُنتَ في عداد الموتى".
بالنسبة للعديد من السوريين، يُمثّل الوصول المُستجد إلى هذه الكتب أكثر من مُجرّد حرية تعبير، بل فرصة لاستعادة المعرفة المفقودة.
يقول محمد: "هناك العديد من الكتب التي لطالما رغبتُ في قراءتها. قائمة قراءاتي طويلة، لكن قدرتي على شرائها محدودة."
ومع ذلك، يُضيف مُبتسماً: "الآن لدينا الحرية والوقت للقراءة."
مع احتضان السوريين لهذه النهضة الأدبية، تُمثّل شوارع دمشق تذكيرًا مهماً: إن الأفكار، بمجرد قمعها، لن يُمكن إسكاتها حقًا.