مجتمع

مشغل لإعداد المأكولات في الموصل يؤمن للنساء الاستقلالية

يمنح مشغل إعداد المأكولات المحلي الذي تأسس مباشرة بعد تحرير المدينة الواقعة بمحافظة نينوى من داعش، فرصة للسكان المحليين بالتلذذ بـ ’مذاق الموصل‘.

امرأة تقوم بتحضير الطعام داخل مطبخ مشغل مذاق الموصل الذي تديره نساء، وذلك في صورة التقطت يوم 13 أيلول/سبتمبر. [زيد العبيدي/وكالة الصحافة الفرنسية]
امرأة تقوم بتحضير الطعام داخل مطبخ مشغل مذاق الموصل الذي تديره نساء، وذلك في صورة التقطت يوم 13 أيلول/سبتمبر. [زيد العبيدي/وكالة الصحافة الفرنسية]

فريق عمل الفاصل ووكالة الصحافة الفرنسية |

الموصل - تنشغل عبير جاسم بتحضير الخضار المحشوة في مطبخ بمدينة الموصل شمالي العراق، حيث ساعد مشغل لإعداد مأكولات بإدارة نسائية الأمهات الأرامل مثلها أو المطلقات على تحقيق الأمان المالي بعد فترة اضطرابات دامت سنوات.

وقالت السيدة البالغة من العمر 37 عاما والتي فقدت زوجها عندما كانت المدينة تحت سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إنها اضطرت للعمل من أجل تأمين الطعام لها ولأطفالها.

وذكرت "إذا لم أعمل لا نأكل ولا نشرب".

وهي الآن واحدة من نحو 30 موظفة في مشغل "مذاق الموصل" الذي يعرف بالمأكولات المحلية الشهية وتأسس عام 2017 بعد تحرير المدينة من داعش.

عبير جاسم تحضر الطعام داخل مطبخ مشغل مذاق الموصل الذي تديره نساء في 13 أيلول/سبتمبر. [زيد العبيدي/وكالة الصحافة الفرنسية]
عبير جاسم تحضر الطعام داخل مطبخ مشغل مذاق الموصل الذي تديره نساء في 13 أيلول/سبتمبر. [زيد العبيدي/وكالة الصحافة الفرنسية]

وكانت الموصل تعتبر العاصمة الفعلية للتنظيم المتطرف. وبعد أن كانت معروفة سابقا بتنوعها الديني والثقافي، عانت المدينة الواقعة في محافظة نينوى الكثير جراء الاحتلال الوحشي الذي دام 3 سنوات ولا تزال عملية إعادة عمارها جارية.

ويشمل ذلك الجهود المبذولة ضمن مبادرة "إحياء روح الموصل" لإنعاش روح وطابع المدينة، بما في ذلك إعادة بناء المساجد والكنائس والمنازل التي يعود تاريخها إلى قرن من الزمن.

ويعتبر "مذاق الموصل" رياديا في إحياء فن الطهي، فضلا عن توفيره فرص عمل للنساء اللاتي تعرضن للقمع وأسكتن خلال حكم داعش.

وإن معظم العاملات في المشغل بما في ذلك الطهاة وعاملتي التوصيل، هن أرامل أو مطلقات.

وبالنسبة لجاسم التي توفي زوجها بسبب التهاب الكبد، شكّل المشغل شريان حياة.

وقالت إن عائلتها رفضت السماح لها بالعمل في أي أماكن فيها اختلاط بين الجنسين، "لكنني أردت أن أعمل لكي لا أكون بحاجة إلى أحد”.

وتجني اليوم 15 ألف دينار عراقي (11 دولارا) يوميا من طهي وجبات الطعام قبل أن يتم توصيلها إلى الزبائن.

وإن الطبق الذي تشتهر بإعداده هو الكبة الموصلية، وهو طبق من اللحم المفروم.

وتفاخرت جاسم قائلة "لا يستطيع السوريون ولا اللبنانيون إعداد" بعض الوصفات التي تشتهر بها مدينتها، وهي تجلس إلى جانب نساء أخريات يحضرن الوجبة اليومية حول طاولة زرقاء كبيرة.

وعملت إحداهن على لف ورق العنب، فيما كانت سيدة أخرى تحشو الفلفلة بكمية كبيرة من الأرز برتقالي اللون وتعمل ثالثة على صنع فطائر اللحم.

’نساء قويات‘

وكشف تقرير صدر في تموز/يوليو 2022 عن منظمة العمل الدولية أن نسبة بالكاد تفوق الـ 10 في المائة من الـ 13 مليون امرأة اللواتي هن في سن العمل بالعراق، هي منخرطة في سوق العمل.

وعندما دحر تنظيم داعش من الموصل في صيف العام 2017، قدرت المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد "أرامل الحرب" بالآلاف.

وقالت المفوضية إن "معظم الأزواج كانوا المعيلين الوحيدين لأسرهم".

وتابعت أن "أرامل الموصل اللواتي يعشن من دون دخل ولدى معظمهن أطفال هن من أكثر الفئات ضعفا وقد أجبرت على النزوح خلال أشهر القتال من أجل المدينة التي عرفت سابقا بازدهارها".

وفي هذا السياق، أسست مهيه يوسف، 58 عاما، "مذاق الموصل" لتأمين فرص عمل لنساء المدينة المنكوبة.

وأوضحت مهيه "لنكن واقعيين، حتى أصحاب الشهادات لا عمل لديهم، لذلك تساءلت أي نوع من العمل" قد "يسمح لهن بتلبية متطلبات أولادهن والتحلي بالقوة".

وقالت يوسف وهي متزوجة وأم لـ 5 أطفال إن المبادرة التي أطلقتها بطاهيتين فقط، تطورت وباتت اليوم توفر فرص عمل للخريجات الشابات.

ويتراوح سعر المقبلات والأطباق الرئيسية في القائمة بين دولار واحد و10 دولارات، فيما تصل الأرباح الشهرية إلى 3000 دولار، بحسب يوسف التي تخطط للتوسع بمشروعها.

وأعربت عن أملها في افتتاح مطعم أو إنشاء مشاريع مماثلة في أجزاء أخرى من العراق.

’نكهات فريدة‘

وقالت يوسف إن شغفها هو "الوصفات القديمة التي لا تصنعها المطاعم" مثل الهندية وهي عبارة عن يخنة الكوسة الحارة مع الكبة أو الأوروغ وهي كرات مقلية من الدقيق واللحوم والخضروات.

وإحدى الموظفات في مشغلها، مكارم عبد الرحمن، فقدت زوجها عام 2004 عندما اختطفه عناصر من تنظيم القاعدة.

وتقوم عبد الرحمن وهي أم لطفلين وباتت الآن في الخمسينيات من عمرها، بتوصيل الطعام في سيارتها وهو أمر قالت إنه أثار بعض الانتقادات.

وأضافت "أولادي يدعمونني، لكن بعض الأقارب يعارضون" عملها.

ومع ذلك، لم يثبط هذا الأمر من عزيمة عبد الرحمن التي تعتبر أنها وجدت في مذاق الموصل "منزلا ثانيا" لها.

ويعود العديد من الزبائن لطلب المأكولات من المشغل، لكن بعضهم أصبحوا زبائن أوفياء.

فمنذ أكثر من عامين، يطلب طه غانم غداءه من مذاق الموصل مرتين أو 3 مرات في الأسبوع.

وقال غانم وهو صاحب مقهى يبلغ من العمر 28 عاما "بسبب عملنا، أصبحنا بعيدين عن ديارنا".

وأضاف "أحيانا نفتقد للطبخ المنزلي، ولكن باتت لدينا هذه الخدمة"، مشيدا بـ"النكهات الفريدة" لمطبخ الموصل.

هل أعجبك هذا المقال؟


يرجى إدخال الأرقام *