عدالة
النظام الإيراني يواصل ممارسته القديمة في استهداف المعارضين بالخارج
كشفت وزارة الخارجية الأميركية أن حملة الإرهاب العالمية التي تنفذها إيران أسفرت منذ العام 1978 عن مقتل نحو 360 شخصا خارج البلاد.
فريق عمل الفاصل |
حافظت جمهورية إيران الإسلامية طيلة سنوات وعلى نحو منتظم على وضعها على قائمة وزارة الخارجية الأميركية كواحدة من عتاة رعاة الإرهاب على مستوى العالم.
فمنذ نشأتها، اتبعت الجمهورية الإسلامية سياسات توسعية إقليمية عبر جماعات مثل حزب الله اللبناني والحوثيين في اليمن والتدخل في شؤون البلاد الأخرى.
وللجمهورية الإسلامية أيضا تاريخ طويل من استهداف المعارضين الإيرانيين المقيمين في الخارج.
فقد أسفرت حملة الإرهاب العالمية التي نفذتها إيران عن مقتل نحو 360 شخصا خارج البلاد منذ العام 1978، ونفذت عمليات الاغتيال في 40 بلدان بحسب تقرير لوزارة الخارجية الأميركية نشر في أيار/مايو 2020.
وجاء في التقرير أن الاغتيالات نفذت في أغلبها بتوجيه من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ووزارة الاستخبارات الإيرانية، وأيضا من قبل "أذرع تابعة" مثل حزب الله اللبناني.
وكان كل الضحايا تقريبا من المنشقين أو المعارضين.
وأوضح التقرير أن "أفراد السلك الدبلوماسي الإيراني كثيرا ما تورطوا في عمليات الاغتيال في الخارج، مثلما يتضح من مذكرات التوقيف وتحقيقات القضاء والشرطة وتقارير وكالات الاستخبارات والشهود".
مؤامرات ضد الإيرانيين بالخارج
وفي كانون الثاني/يناير، أعلنت مسيح علي نجاد، وهي مواطنة أميركية من أصل إيراني استهدفت سابقا بمؤامرة خطف أحبطها مكتب التحقيقات الفيدرالي، أنها كانت هدفا لمؤامرة اغتيال.
وكانت علي نجاد قد أطلقت عام 2014 حملة على مواقع التواصل الاجتماعي لتشجيع النساء في إيران على مشاركة صورهن الذاتية بدون حجاب، ونشرت هذه الصور بدورها على صفحتها على فيسبوك.
وفي كانون الأول/ديسمبر، قال تحقيق أجرته صحيفة واشنطن بوست أن طهران كانت قد كثفت جهودها لاستهداف المنشقين الذين يعيشون بالخارج. وقد استند التقرير إلى وثائق ومقابلات مع 15 مسؤولا في واشنطن وأوروبا والشرق الأوسط.
وأوضحت الصحيفة أن العديد من الوكالات الإيرانية قد تورطت في المؤامرات، بما فيها وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني ومنظمة الاستخبارات بالحرس الثوري.
ووفق المسؤولين والخبراء الذين استشهد بهم التقرير، فإن الأوامر بالخطف أو القتل في الخارج تأتي من مستوى رفيع في الحكومة الإيرانية.
وقال البودكاستر (المدون الصوتي) الإيراني-الكندي المقيم في فانكوفر، رمين سيد-إمامي، إن الشرطة الكندية حذرته في صيف 2021 من مؤامرة محتملة للنظام الإيراني لاستهدافه، بحسب ما أفادت صحيفة واشنطن بوست في كانون الأول/ديسمبر.
هذا ويتبنى سيد-إمامي موقفا مناوئا للنظام في تدويناته الصوتية حيث يجري مقابلات مع أشخاص داخل إيران.
وهو ابن كافوس سيد-إمامي، وهو عالم بيئة إيراني-كندي مات في ظروف مريبة في سجن إيفين الإيراني سيئ السمعة في عام 2018.
وفي آب/أغسطس الماضي، قالت وكالات أمن وإنفاذ قوانين غربية إنها أحبطت محاولة لاغتيال مستشار الأمن القومي السابق بالولايات المتحدة، جون بولتون، في واشنطن.
ووجهت وزارة العدل الأميركية لعضو الحرس الثوري شهرام بورصافي، والمعروف أيضا باسم مهدي رضائي، اتهامات غيابيا على خلفية مزاعم بشأن عرضه دفع 300 ألف دولار لشخص في الولايات المتحدة لقتل بولتون.
وفي أغسطس/آب 2022 أيضا، تعرض الكاتب سلمان رشدي، الذي أثارت روايته "الآيات الشيطانية" المنشورة عام 1988 غضب النظام الإيراني، لعدة طعنات على يد هادي مطر، وهو أميركي من أصل لبناني، فيما كان رشدي يستعد لإلقاء محاضرة.
ووفق وكيله، فقد فقد رشد البصر في أحد عينيه وفقد أيضا القدرة على استخدام أحد يديه نتيجة للهجوم الذي وقع في مؤسسة تشاوتوكوا بولاية نيويورك.
وقال البعض إن مطر تأثر بفتوى أصدرها مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني الذي كان قد دعا إلى قتل رشدي.
وفي 12 كانون الأول/ديسمبر 2020، نفذ بحق المعارض الإيراني روح الله زام، الذي كان قد استُدرج من قبل عناصر الحرس الثوري الإيراني، الإعدام شنقا في طهران في عملية أثارت إدانة دولية.
وقال زملاء وأصدقاء زام في فرنسا إنه ارتكب خطأ الوقوع في فخ الاستدراج لرحلة إلى العراق في تشرين الأول/أكتوبر 2019.
وفي نيسان/أبريل 2017، تعرض سعيد كاريميان، وهو مالك إيراني لمحطة جيم تي في التليفزيونية في دبي التي تركز بصورة أساسية على برامج الترفيه، للقتل بالرصاص في تركيا.
وقال أفراد أسرته إنه كان قد تعرض للتهديد من قبل الجمهورية الإسلامية في الشهر الذي سبق اغتياله.
وكان كاريميان قد حوكم غيابيا من قبل محكمة في طهران وحكم عليه بالسجن مدة ست سنوات على خلفية "نشر دعاية معادية لإيران".
تاريخ من استهداف المعارضين
يذكر أن واحدة من عمليات القتل الأولى التي نفذتها الجمهورية الإسلامية ضد الإيرانيين في الولايات المتحدة كانت قتل الملحق الإعلامي بالسفارة الإيرانية علي أكبر طباطبائي في عام 1980.
وكان طباطبائي رئيسا لمؤسسة حرية إيران، وهي جماعة معارضة للنظام أسست في العام 1979 بعد فترة وجيزة من قيام الثورة الإسلامية.
وفي حزيران/يونيو 1988، تعرض الممثل الكوميدي الأميركي من أصل إيراني، رافي خاشاتوريان، للاعتداء من قبل مجموعة من عناصر حزب الله اللبناني وأنصار إيران خلال تظاهرة مناهضة للنظام الإيراني في لوس أنجلوس وفقد البصر في إحدى عينيه.
وكانت البرامج الكوميدية التي عرضها خاشاتوريان بعد الثورة تسخر من الخميني والجمهورية الإسلامية.
وفي تموز/يوليو 1989، اغتيل في فيينا الأمين العام للحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، عبد الرحمن قاسملو، بعد يوم من عقد لقاء مع وفد من الحكومة الإيرانية.
واغتيل أيضا مع قاسملو كل من مساعده وعضو اللجنة المركزية للحزب عبد الله غاديري أزار وأيضا فاضل رسول.
وكان رسول أستاذا في الجامعة الكردية العراقية ويعمل وسيطا بين الحكومة الإيرانية وقاسملو.
وقتل الضحايا الثلاثة برش رصاص أطلق من مسافة قريبة.
وفي نيسان/أبريل 1991، قتل طعنا بسكين في بهو مبنى شقته عبد الرحمن بوروماند، وهو معارض إيراني كان يعيش في باريس بعد ثورة 1979.
وإلى جانب شابور بختيار، وهو آخر رئيس وزراء إيراني تحت حكم الشاه، كان بوروماند يلعب دورا نشطا في تأسيس الحركة الوطنية للمقاومة الإيرانية، وذلك في آب/أغسطس 1980.
وقد وصف المؤسسون هذه الحركة بأنها أول حركة معارضة مؤيدة للديمقراطية ومناهضة للنظام الديني في إيران.
وبعد ثلاثة أشهر من مقتل بوروماند، اغتال ثلاثة عملاء للجمهورية الإسلامية بختيار ومساعده سروش كتيبة في باريس.
وفي 1992، قتل طعنا في شقته في بون بألمانيا فريدون فرخزاد، وهو شاعر ومغن وممثل كوميدي إيراني شهير ومعارض للنظام الإيراني، وأفادت التقارير حينها إنه تلقى 38 طعنة.
وبحسب ما أفيد، كان فرخزاد قد تلقى تهديدات بالقتل على خلفيه انتقاده واستهزائه بالخميني والنظام الإيراني.
القيادة السياسية أمرت 'بعمليات القتل'
وأيضا في عام 1992، قتل ثلاثة من قيادات المعارضة الكردية-الإيرانية ومترجمهم في مطعم ببرلين بألمانيا.
واعتبرت القضية التي رفعت إثر هذه الحادثة نقطة تحول، إذ كانت المرة الأولى التي تم تقدم فيها الاغتيالات التي تنفذها الجمهورية الإسلامية في الخارج إلى المحاكمة في بلد أجنبي وبمثل هذه الطريقة البارزة.
وبعد خمس سنوات من عملية القتل، خلصت محكمة ببرلين أن أعلى المستويات في "القيادة السياسية" الإيرانية كانت قد أمرت بتنفيذ عمليات القتل التي وقعت في عام 1992، وقد أدين ثلاثة لبنانيين وإيراني واحد.
وفي أعقاب الحكم، استدعت عدة بلدان أوروبية، وأيضا نيوزلندا وأستراليا وكندا، سفرائها من طهران.
وفي أيار/مايو 1996، اغتيل في باريس رضا مظلومان، وهو محاضر في جامعة طهران كان يشغل منصب نائب وزير التعليم تحت حكم الشاه، على يد أحد عملاء الجمهورية الإسلامية.
وقد استمر النظام الإيراني في ملاحقة وقتل خصومه من السياسيين والصحافيين والفنانين في بلاد أخرى، حسبما ذكر محلل مقيم في إيران طلب عدم الكشف عن هويته.
وقال المحلل إن "بعض مؤامرات النظام الإرهابية لم تُعرف على نطاق واسع، إذ لم يكن المستهدفون من المشاهير".
وأضاف أن "عدد الأشخاص الذين قتلوا على يد الجمهورية الإسلامية ربما كان أعلى مما نعرف، وربما كان أيضا أكثر من العدد الرسمي الذي أعلنته وزارة الخارجية الأميركية في تقاريرها".
وتابع أن "الجمهورية الإسلامية متورطة في التآمر على منتقديها، ويبدو أنها أصبحت حتى أكثر خلال السنوات الماضية أكثر نشاطا في هذا المجال، وذلك بدافع خوف واضح من المعارضة".