موقع الفاصل | 2025-10-17

نُقشت على سطحها إحدى أقدم وأكثر المدونات القانونية تأثيرًا في تاريخ البشرية، وهي شريعة حمورابي.

أمر الملك حمورابي ملك بابل بصنع هذه القطعة الأثرية، وساهمت في صياغة الإطار القانوني لعصرها. كما تركت إرثاً لا يزال يأسر المؤرخين وعلماء الآثار والباحثين القانونيين حتى اليوم.

رؤية ملك: عدالة مكتوبة على الحجر

كتب ويل ديورانت، مؤلف كتاب "قصة الحضارة": "تُعدّ شريعة حمورابي من أعظم المعالم في تاريخ القانون. إنها أقدم محاولة معروفة لإرساء العدالة بالتشريع."

كان حمورابي، الذي حكم بابل من عام 1792 إلى عام 1750 قبل الميلاد، أكثر من مجرد ملك، بل كان رائداً في مجال الحكم. مع توسع إمبراطوريته، سعى حمورابي إلى توحيد شعبه المتنوع تحت نظام قانوني موحد.

وكانت النتيجة شريعة حمورابي، وهي مجموعة من 282 قانونًا تتناول التجارة، ونزاعات الملكية، وشؤون الأسرة، والعدالة الجنائية.

في أعلى المسلة، يُصوَّر حمورابي واقفاً أمام شمش، إله العدالة في بلاد ما بين النهرين.

عززت هذه الصورة اللافتة السلطة الإلهية للقوانين، إذ لم تُصوِّر حمورابي ملكاً فحسب، بل وسيطاً مختاراً للآلهة. كانت الرمزية واضحة: العدالة مقدسة، وحمورابي هو منفذها على الأرض.

عدالة للجميع - أم للبعض فقط؟

غالباً ما يُحتفى بشريعة حمورابي كإنجاز قانوني رائد، لكن عدالتها لم تكن موحدة. يظهر مبدأ "العين بالعين" بشكل معروف في النص، مجسداً نظاماً للعدالة الجزائية.

ومع ذلك، تباينت العقوبات الموضحة في الشريعة إلى حد بعيد تبعاً للطبقة الاجتماعية. كانت عواقب إيذاء النبلاء أشد وطأة من عواقب إيذاء عامة الناس أو عبد.

على الرغم من هذه التفاوتات، كان قانون حمورابي ثورياً في عصره. فقد أرسى إطاراً قانونياً موحداً، يضمن حل النزاعات استناداً إلى القوانين المكتوبة بدلاً من أهواء الحكام أو القضاة.

رحلة المسلة عبر الزمن

عُرضت المسلة في الأصل في بابل، وظلت شاهداً على إرث حمورابي لقرون. إلا أن رحلتها اتخذت منعطفاً غير متوقع في حوالي القرن الثاني عشر قبل الميلاد.

فقد استولى عليها العيلاميون، ونُقلت إلى عاصمتهم، سوسة، في إيران حالياً. وهناك، ظلت مدفونة لآلاف السنين حتى اكتشفها علماء آثار فرنسيون عام ١٩٠١.

اليوم، تقبع مسلة قانون حمورابي في متحف اللوفر في باريس، حيث تجذب الزوار من جميع أنحاء العالم. نُقشها، المكتوبة بالخط المسماري القديم، تُرجمت بدقة متناهية، مُقدمةً للجمهور المعاصر لمحة نادرة عن تعقيدات المجتمع البابلي.

لماذا لا تزال شريعة حمورابي مهمة؟

تُعدّ شريعة حمورابي أكثر من مجرد قطعة أثرية تاريخية، بل هي رمزٌ لسعي البشرية الدؤوب نحو العدالة والنظام. ومن خلال إدخال قوانين مكتوبة، أرسى حمورابي سابقةً في الحكم تجاوزت عصره.

وبينما تطورت الأنظمة القانونية الحديثة تطورًا ملحوظًا، لا تزال مبادئ الإنصاف والمساءلة وسيادة القانون جوهريةً في المجتمعات حول العالم.

لا تزال شريعة حمورابي تُذكّرنا بأهمية القانون ورغبة الإنسان في بناء أنظمة تُعلي من شأنه.