عدالة

العراق يحافظ على تراثه الوطني في حقبة ما بعد داعش

تستخدم السلطات أساليب جديدة لتحسين الإجراءات الأمنية وكشف عمليات نهب الآثار في المواقع الأثرية العراقية.

صورة تظهر آثارا معروضة في المتحف العراقي ببغداد يوم 13 آذار/مارس. [الهيئة العامة العراقية للآثار والتراث]
صورة تظهر آثارا معروضة في المتحف العراقي ببغداد يوم 13 آذار/مارس. [الهيئة العامة العراقية للآثار والتراث]

أنس البار |

خلال عهد الإرهاب الذي بدأ عندما اجتاح مساحات شاسعة من العراق في عام 2014، قام تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بنهب وتدمير عدد لا يحصى من الآثار العراقية وتخريب المواقع الأثرية.

ورغم أن حماية المواقع الأثرية العديدة والمتناثرة في العراق مهمة صعبة، إلا أن السلطات الفيدرالية تعمل جاهدة اليوم لتأمينها ضد اللصوص وشبكات التهريب والمخربين والمتسللين.

وتعمل السلطات أيضا على ضمان إعادة القطع الأثرية المنهوبة إلى بغداد.

وهناك الآلاف من المواقع الأثرية المسجلة رسميا في العراق.

أعضاء شبكة تهريب في محافظة بابل بعد اعتقالهم من قبل قوات الأمن العراقية في صورة نشرت على الإنترنت في 7 تموز/يوليو 2022. [وزارة الداخلية العراقية]
أعضاء شبكة تهريب في محافظة بابل بعد اعتقالهم من قبل قوات الأمن العراقية في صورة نشرت على الإنترنت في 7 تموز/يوليو 2022. [وزارة الداخلية العراقية]

وإن 6 منها مدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو وهي بابل والحضر وآشور المعروفة أيضا بقلعة الشرقاط وسامراء وقلعة أربيل والأهوار الجنوبية المشهورة بمحيطها الحيوي ومدنها القديمة والتلال الموجودة فيها.

وقال مدير هيئة الآثار والتراث العراقية ليث مجيد حسين إنه في أعقاب اجتياح داعش للمناطق العراقية، خضعت هذه المواقع وغيرها لإجراءات أمنية مشددة وبقيت على مدار الساعة تحت حماية دوريات الشرطة.

وأضاف للفاصل أن المواقع ذات الأهمية الوطنية تخضع للمراقبة من خلال نقاط رقابة ثابتة وحواجز وأسلاك شائكة.

وتابع حسين أنه "يتم بذل جهود أمنية مكثفة لحماية مواقع التراث الثقافي العراقي والقبض على اللصوص والمهربين واستعادة الآثار التي هي بحوزتهم".

وفي 5 آب/أغسطس، ضبطت شرطة الآثار 52 قطعة أثرية مسروقة خلال عمليات تفتيش في محافظة ذي قار.

وفي 19 آب/أغسطس، ألقت القبض على أحد مهربي الآثار في محافظة صلاح الدين وكانت بحوزته عملات معدنية قديمة كان ينوي بحسب معلومات تهريبها إلى خارج البلاد.

وشهد العام الجاري أيضا اعتقال 16 شخصا بتهمة الإتجار بالآثار وتهريبها ومصادرة مئات التماثيل القديمة والعملات المعدنية وغيرها من القطع الأثرية.

ردع اللصوص والمخربين

وفي مسعى لردع للصوص المحتملين، يفرض العراق عقوبات تصل إلى السجن المؤبد على المدانين بسرقة أو تجارة أو تهريب الآثار وممتلكات التراث الثقافي والوطني.

وقال حسين إنه على الرغم من الجهود الأمنية المبذولة، يبقى تأمين جميع المواقع الأثرية بشكل كامل أمرا أساسيا وإنما معقد.

وأضاف "لدينا حاليا 15 ألف موقع أثري ولحماية هذا العدد الكبير من المواقع نحتاج إلى نشر عشرات الآلاف من الحراس وعناصر الأمن"، مؤكدا أن "ذلك أمر يصعب القيام به".

وفي محاولة للتغلب على هذا التحدي، تستخدم الشرطة أساليب جديدة لمراقبة المواقع مثل الطائرات المسيرة المزودة بتقنيات التصوير والتتبع للكشف المبكر عن السرقات والحفريات والاستخراج غير القانوني للآثار.

وتشكل التعديات السكنية عبءا آخر على المواقع الأثرية، وغالبا ما تقوم السلطات بحملات لإزالتها.

وعلى سبيل المثال، تمت في 8 آب/أغسطس إزالة العديد من المباني والمساكن التي بنيت بشكل غير قانوني في موقع سامراء.

وأشار حسين إلى أنه تم بناء أسوار حول عدد من المواقع الأثرية "لمنع حدوث مثل هذه التجاوزات وحمايتها من السرقة والتخريب".

وشدد على أهمية "زيادة الوعي العام بضرورة الحفاظ على الآثار باعتبارها السجل التاريخي لحضارة البلاد وثقافتها".

حماية التراث الثقافي

ومن جهتها، قالت لمى ياس الدوري من دائرة المتاحف العامة العراقية إن العراق ينسق مع الحكومات والمنظمات الدولية لمساعدته في حماية تراثه الثقافي.

وأضافت للفاصل أن هذا الأمر أدى إلى استعادة عدد كبير من الآثار العراقية التي نهبت وهربت خلال العقدين الماضيين، خاصة تلك التي نقلها تنظيم داعش.

وبحسب الإحصاءات الرسمية، تمت خلال السنوات الخمس الماضية إعادة أكثر من 34 ألف قطعة أثرية من الخارج تعتبر من الممتلكات الثقافية العراقية.

ومن أهم القطع التي تم العثور عليها لوح "جلجامش".

وكان من بين 17 ألف قطعة أثرية تم إرجاعها وتمكنت الولايات المتحدة من جمع عدد كبير منها واسترجاعها من دور المزادات الفنية وتسليمها إلى العراق نهاية عام 2021.

وفي 18 حزيران/ يونيو، استعاد العراق من إيطاليا لوحا حجريا ثمينا عمره 2800 عام ويحمل نقوشا مسمارية كان قد اختفى من البلاد قبل 40 عاما.

كذلك في 18 تموز/يوليو، استعاد من سويسرا جدارية آشورية.

وأعادت بريطانيا في 5 أيار/مايو ما يقارب الـ 6000 قطعة أثرية كانت قد استعارتها من العراق قبل مائة عام لأغراض بحثية وعلمية.

الاكتشافات الجديدة مستمرة

وبالتزامن مع جهود حماية الآثار واستعادتها، يدعم العراق عمل البعثات الأثرية الأجنبية التي تزايد عددها في السنوات الأخيرة بفضل الوضع الأمني المستقر في البلاد.

وتعمل حاليا عشرات البعثات من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ودول أخرى على ترميم الآثار التي دمرها تنظيم داعش.

ويحاول بعضها القيام باكتشافات أثرية جديدة، مثل تلك التي قامت بها بعثة جامعة بنسلفانيا في وقت سابق من هذا العام.

واكتشف هذا الفريق خلال تنقيباته في موقع لجش في محافظة ذي قار مكانا عاما يعتقد أنه بقايا مطعم يعود إلى العام 2700 قبل الميلاد.

وكان العراق قد دعا في آذار/مارس اليونسكو إلى إجراء مسح شامل للكشف على آثاره غير المكتشفة والتي يعتقد مراقبون أن عددا كبيرا منها لم يتم الكشف عنه بعد.

هل أعجبك هذا المقال؟


يرجى إدخال الأرقام *