إقتصاد

انقطاعات الإنترنت بأوامر حكومية تجبر الشركات الناشئة على مغادرة إيران

أثرت قيود الإنترنت التي يفرضها النظام الإيراني بشدة على رواد الأعمال ودمرت شركاتهم، ما أدى إلى هجرة الأدمغة من البلاد.

دفعت قيود الإنترنت الصارمة التي يفرضها النظام لإيراني بالكثير من مؤسسي الشركات الناشئة الرقمية وموظفيها على مغادرة البلاد، وبعضهم يظهر في هذه الصورة التي يعود تاريخها لعام 2019. [irgool.io]
دفعت قيود الإنترنت الصارمة التي يفرضها النظام لإيراني بالكثير من مؤسسي الشركات الناشئة الرقمية وموظفيها على مغادرة البلاد، وبعضهم يظهر في هذه الصورة التي يعود تاريخها لعام 2019. [irgool.io]

فريق عمل الفاصل |

قال محللون إن تصاعد فرض النظام الإيراني قيودا صارمة على الإنترنت وتعطيله الشبكة قضى على آمال رواد الأعمال وشل شركاتهم، ما أجبرالكثير منهم على مغادرة البلاد وتسبب في التعجيل بالانهيار اقتصادي.

وتعد القيود التي تفرضها الحكومة على الإنترنت أمرا شائعا في إيران، وهي تهدف لكبح حرية تدفق المعلومات ومنع الإيرانيين من مشاركة العالم صور الاحتجاجات الواسعة وما تلاه من حملات قمع نفذها النظام.

وصرح محللون ورواد أعمال إيرانيون لموقع الفاصل أن انقطاعات الإنترنت باتت مؤخرا أكثر صرامة وتحدث بوتيرة أكبر، مشيرين إلى أن لها تأثير فادح على الاقتصاد الوطني الذي يشهد فعليا سقوطا حرا.

وقالت غرفة الأعمال الإلكترونية في طهران في تقرير جديد إن الشركات الناشئة تغادر إيران مع احتلال البلاد مرتبة ثاني أسوأ بلد في العالم لجهة تعطيل الإنترنت، لا يسبقها إلا بورما، ومن بين أسوأ خمسة بلدان في العالم من حيث سرعة الإنترنت.

تظهر لقطة الشاشة هذه واجهة تطبيق مشاركة الرحلات الإيراني، تابسي، وهو شركة ناشئة ناجحة واجهت مشاكل خطيرة جراء انقطاعات شبكة الإنترنت وبطئها في البلاد. [Tapsi.ir]
تظهر لقطة الشاشة هذه واجهة تطبيق مشاركة الرحلات الإيراني، تابسي، وهو شركة ناشئة ناجحة واجهت مشاكل خطيرة جراء انقطاعات شبكة الإنترنت وبطئها في البلاد. [Tapsi.ir]
غادرت نزانين دانشور، وهي مؤسسة شركة ناشئة شهيرة، إيران مؤخرا وسط انقطاعات في شبكة الإنترنت جعلت الاستمرار في القيام بأعمالها أمرا صعبا. [jobdo.ir]
غادرت نزانين دانشور، وهي مؤسسة شركة ناشئة شهيرة، إيران مؤخرا وسط انقطاعات في شبكة الإنترنت جعلت الاستمرار في القيام بأعمالها أمرا صعبا. [jobdo.ir]

ووصفت الغرفة في تقريرها عن حالة الإنترنت الوضع الحالي لشركات الإنترنت في إيران بـ "الحرج".

وسبق للنظام الإيراني أن عمد إلى قطع الاتصال بالإنترنت أو أبطأه بصورة كبيرة خلال حدوث احتجاجات، لكن الأمر لم يصل إلى الحد الصارم الذي وصل إليه مع الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت على خلفية موت شابة أثناء احتجازها لدى "شرطة الأخلاق".

ومع تواصل الاحتجاجات الشعبية لأشهر، فرض النظام حجبا أكثر حدة للإنترنت وانقطاعات أطول.

فقد قرر المسؤولون الإيرانيون قطع الاتصال الإنترنت بصورة كاملة في بعض الأيام وبصورة متقطعة في أيام أخرى، وعلى النقيض من المرحلة التي تلت الاحتجاجات السابقة، لم يوقف تلك الانقطاعات فور انتهاء الاحتجاجات تدريجيا.

خدمة الإنترنت لا يمكن الاعتماد عليها

قبل بداية الاحتجاجات، كان معظم مستخدمي الإنترنت في إيران يستخدمون شبكات خاصة افتراضية لتجاوز عملية الفلترة والوصول إلى معظم مواقع الويب.

ومع أن شراء شبكات خاصة افتراضية ما يزال مفيدا إلى حد ما، فإن التعطيلات والانقطاعات المتكررة جعلت من الصعوبة بمكان الاعتماد على الاتصال بالإنترنت في جميع أنحاء إيران.

ففي شهر حزيران/يونيو، صرح صيدلي يبلغ من العمر 42 عاما في مدينة كرمنشاه الإيرانية لموقع الفاصل، أنه يضطر لشراء شبكة خاصة افتراضية "كل شهر تقريبا".

وأضاف شريطة عدم الكشف عن هويته أن "الشبكات الأكثر كلفة أقوى بكثير، لكني عاجز عن تحمل كلفة شرائها كل شهر. في بعض الأحيان اضطر لشراء أكثر من شبكة واحدة شهريا، وأتنقل من شبكة لأخرى".

ويزداد الوضع خطورة بالنسبة للذين يعتمد عملهم بالكامل على الإنترنت.

فمع ارتفاع معدل البطالة في العقد الماضي، ازداد عدد الإيرانيين الذين يعملون عبر الإنترنت، من الحرف اليدوية وبيع الأغراض المتنوعة على الشبكة العكبوتية، إلى امتهان الترميز وتقديم خدمات الحاسوب المتخصصة.

لكن انقطاعات الإنترنت المتقطعة التي تتواصل لبضعة أيام في بعض الأحيان تسببت في تعطيل هذه الأعمال، ما كبد آلاف الإيرانيين خسائر كبيرة بصورة مطردة، وبعضهم خسر أعماله التجارية بالكامل.

شهد ظهور شركات التكنولوجيا الناشئة في إيران على مدار السنوات الـ 15 الماضية تحول عدد من الشباب الإيرانيين الحاصلين على تعليم جيد إلى هذا القطاع.

حتى أن بعضهم عاد إلى بلاد بعد إكمال الدراسات العليا في الخارج، على أمل متابعة الأعمال في وطنه الأم. لكن هذه الآمال تحطمت على صخرة انقطاعات الإنترنت التي دمرت أعمالهم.

وأدت هجرة الأدمغة التي تلت إلى مغادرة عدد من مؤسسي الشركات الناشئة ورواد الأعمال إيران لمواصلة أعمالهم في أماكن أخرى.

تسريع هجرة الأدمغة

ووفقا للإحصاءات الرسمية، يوجد في الوقت الراهن ما لا يقل عن 10 آلاف شركة ناشئة ناجحة في مختلف القطاعات، منها الخدمات والعلوم والإنتاج والتكنولوجيا.

لكن عددا من هذه الشركات الناشئة المربحة غادرت إيران على مدار الأشهر الأخيرة، فيما البعض الآخر بقي على أمل أن يتحسن الوضع، إلا أنهم أرسلوا خبراءهم إلى الخارج لإدارة الأعمال من هناك بهدف حماية أنفسهم من الخسارة.

وفي الأسبوع الأخير من شهر حزيران/يونيو، غادرت إيران نزانين دانشور، مؤسسة شركة "تخفيفان" الناشئة والناجحة.

وتعد نزانين، 35 عاما، كفاءة مرموقة وكانت عودتها إلى إيران بعد حصولها على درجة الدراسات العليا في الخارج حدثا كبيرا.

وأوردت وسائل الإعلام المحلية في حزيران/يونيو أنها غادرت جراء تعطيل الحكومة المتواصل لشبكة بالإنترنت وزيادة عمليات الفلترة لها.

وتماما مثلما حدث عند عودتها إلى إيران منذ عدة سنوات، فقد كانت مغادرتها أيضا حدثا حظي بتغطية إعلامية واسعة.

وقال مؤسسة شركة تكنولوجيا مقيم في إيران إن "البلد يخسر كفاءاته على نحو متزايد. فالنظام يسلم مواردنا الطبيعية لروسيا والصين بأسعار منخفضة جدا، كما أنه يتسبب في مغادرة مواردنا البشرية التي لا تقدر بثمن".

وأضاف في حديث لموقع الفاصل شريطة عدم الكشف عن هويته "أحب بلدي وأسرتي والموظفين الذين يعملون لدي".

وتابع "هناك عدة أسر تعتمد عليّ في الحصول على رواتبها كل شهر. وفي كل مرة أفكر فيها بالمغادرة، وهو الأمر الذي يحدث كثيرا هذه الأيام، أدفع بالفكرة جانبا لأنني أفكر في الموظفين".

واستدرك "لكنني لست متأكدا إلى متى سأتمكن من المحافظة على الشركة، إذ تكبدت بالفعل خسارة كبيرة".

تذكرة اتجاه واحد من إيران

يعد تابسي، وهو شركة ناشئة إيرانية مربحة، تطبيق مشاركة رحلات رائجا.

وقال مؤسس التطبيق ميلاد منشي بور لوسيلة الإعلام الإيرانية تجارة أونلاين، إن "التجارة الرقمية والشركات على الإنترنت وشركات التكنولوجيا الناشئة هي مستقبل اقتصاد إيران، لكن قيود الإنترنت تشكل أكبر عقبة أمامها".

وفي جلسة حوارية غطتها الصحف الاقتصادية اليومية المحلية، قدم حامد بيدي، وهو الرئيس التنفيذي للشركة الناشئة الإيرانية الناجحة "كرزار"، تحذيرا بشأن المستقبل.

وأوضح أنه "مثلما توقف انقطاعات الكهرباء القطاع الصناعي، فإن تعطيل شبكة الإنترنت أو إبطائها يوقف الشركات الرقمية التي تمثل قطاعا رائجا في إيران".

بدوره، قال مهندس برمجيات مقيم في إيران لم يرغب في ذكر اسمه لموقع الفاصل إن عدة تقارير جديرة بالثقة تكشف أن نحو 1200 خبير تكنولوجي وموظف شركات ناشئة قد اشتروا تذاكر اتجاه واحد لمغادرة إيران.

وفي الأشهر الأخيرة، هاجر هؤلاء الخبراء المنشودين إلى عدد من البلاد المختلفة.

وأضاف أن وضع الاقتصاد الإيراني السيئ والقيود التي يفرضها النظام وفقدان الأمل في المستقبل "من بين أهم الأسباب التي تجعلنا جميعا نفكر في الهجرة"، مشيرا إلى خبراء التكنولوجيا ومؤسسي الشركات الناشئة.

وتابع "لكن الحكومة لا تهتم كثيرا بخسارة كفاءاتها، وهي مواردها الشابة المفيدة. وبالنسبة لي، هذه المسألة هي أكثر ما يحزن في الأمر برمته".

هل أعجبك هذا المقال؟


يرجى إدخال الأرقام *