أمن

ʼصنعاء القديمةʻ: مدينة تاريخية تئن تحت وطأة حرب اليمن

ازدادت المخاطر التي تواجه هذا الموقع المدرج على قائمة مواقع التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، في ظل الحرب المتواصلة منذ الانقلاب الذي نفذه الحوثيون المدعومون من إيران عام 2014.

عامل يرفع الأنقاض تحضيرا لأعمال إعادة الإعمار في موقع مبنى مدمر مدرج على قائمة مواقع التراث العالمي في منظمة اليونسكو وذلك بعد هطول أمطار غزيرة في مدينة صنعاء القديمة بتاريخ 12 آب/أغسطس 2020. [محمد حويس/وكالة الصحافة الفرنسية]
عامل يرفع الأنقاض تحضيرا لأعمال إعادة الإعمار في موقع مبنى مدمر مدرج على قائمة مواقع التراث العالمي في منظمة اليونسكو وذلك بعد هطول أمطار غزيرة في مدينة صنعاء القديمة بتاريخ 12 آب/أغسطس 2020. [محمد حويس/وكالة الصحافة الفرنسية]

وكالة الصحافة الفرنسية |

صنعاء -- أمضت دعاء الواسعي سنوات سعيدة عديدة وهي تعمل كمرشدة سياحية في مدينة صنعاء القديمة، كاشفة للسياح الأجانب عن الحمامات الخفية والأسواق المليئة بالفضة والبهارات.

لكن بعد مرور عقد تقريبا على اندلاع الحرب، لم يبق من هذه الحياة إلا ذكرى بعيدة. فتبدو المدينة القديمة نفسها حيث ترعرعت الواسعي، منعزلة عن العالم مع منازلها المصنوعة من التربة المضغوطة التي يبلغ عمرها ألف سنة والمهددة بالانهيار.

وقالت الواسعي، 40 عاما، "فتحت السياحة عيني على ثقافة بلدي"، مشيرة إلى اكتسابها تقديرا أعمق للباس والغذاء اليمنيين عبر شرحهما للأجانب.

وكانت تتكلم الإنجليزية والألمانية براحة سابقا، إلا أن مهاراتها في اللغات الأجنبية آخذة في التلاشي، وهي تدرك كذلك.

صورة تظهر مبان مدرجة على قائمة مواقع التراث العالمي في منظمة اليونسكو بمدينة صنعاء القديمة بتاريخ 12 تموز/يوليو. وفي ظل حرب تدوم منذ نحو عقد من الزمن، تبدو صنعاء القديمة مقطوعة عن العالم بعد أن كانت في وقت من الأوقات مليئة بالأجانب القادمين من أجل قاعات الحمام الخفية والأسواق المليئة بالفضة والبهارات. [محمد حويس/وكالة الصحافة الفرنسية]
صورة تظهر مبان مدرجة على قائمة مواقع التراث العالمي في منظمة اليونسكو بمدينة صنعاء القديمة بتاريخ 12 تموز/يوليو. وفي ظل حرب تدوم منذ نحو عقد من الزمن، تبدو صنعاء القديمة مقطوعة عن العالم بعد أن كانت في وقت من الأوقات مليئة بالأجانب القادمين من أجل قاعات الحمام الخفية والأسواق المليئة بالفضة والبهارات. [محمد حويس/وكالة الصحافة الفرنسية]
جمل يشغل آلة تقليدية لإنتاج الزيوت الطبيعية في متجر بمدينة صنعاء القديمة بتاريخ 20 تموز/يوليو. [محمد حويس/وكالة الصحافة الفرنسية]
جمل يشغل آلة تقليدية لإنتاج الزيوت الطبيعية في متجر بمدينة صنعاء القديمة بتاريخ 20 تموز/يوليو. [محمد حويس/وكالة الصحافة الفرنسية]

وأوضحت "ما من كلمات تعبّر عن حجم الكارثة التي حلت بنا، أكان بالإنجليزية أو الألمانية أو حتى الفرنسية".

وصنفت المدينة القديمة المدرجة على قائمة مواقع التراث العالمي بمنظمة اليونسكو منذ نحو 4 عقود، على أنها بحالة "خطر" منذ العام 2015، وذلك بعد فترة قصيرة من قيادة السعودية حملة تدخل عسكري لمنع الانهيار التام للحكومة اليمنية بعد تنفيذ الحوثيين المدعومين من إيران انقلابهم عام 2014.

وتضم المدينة المأهولة بشكل متواصل منذ أكثر من 2500 عام مساجد مميزة ومنازل من الطوب المحروق وواجهت تهديدات مباشرة من الغارات الجوية وأخرى غير مباشرة ناتجة عن غياب الصيانة.

وفيما تنتظر بصبر نهاية الحرب، احتفظت الواسعي بسجلات دقيقة عن تراجع المدينة القديمة، فوثقت في جداول بيانات المباني المنهارة والفنادق المدمرة.

وتماشيا مع إصرارها على الاستفادة من فترة توقفها عن العمل، تتابع دراستها للحصول على شهادة درجة الماجيستير في السياحة من جامعة صنعاء على أمل أن تتمكن في يوم من الأيام بالمساعدة بنهوض المدينة القديمة، وهو أمر طال انتظاره.

وقالت "إننا نخسر صنعاء القديمة. أشعر بالحزن إزاء الإقرار بذلك".

خيارات صعبة

وتزايدت المخاطر مع استمرار الحرب.

وفي هذا السياق، قال مسؤول المشاريع المساعد في منظمة اليونسكو محمد الجابري إن منازل المدينة القديمة بتصاميمها الجبسية البيضاء المميزة "هشة للغاية وتحتاج إلى صيانة متواصلة".

ولكن كانت أعمال الصيانة هذه مستحيلة بالنسبة للعديد من العائلات خلال الأزمة الاقتصادية التي ترافق الحرب والتي طبعت بغياب الرواتب وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وقال الجابري "يقوم عادة أصحاب المنازل بأعمال الصيانة".

وتابع "يتخذ الناس خيارا صعبا بين تأمين الطعام أو تأمين سقف فوق رؤوسهم".

كذلك، عانت البنى التحتية الخاصة بصرف المياه من الإهمال، ما جعل مباني المدينة القديمة عرضة لخطر الانهيار أثناء الفيضانات.

هذا وتراجعت المعارك إلى حد كبير في معظم مناطق اليمن بعد سريان مفعول هدنة في نيسان/أبريل 2022، رغم أن سريانها انتهى في تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

ولكن أدى غياب هدنة دائمة إلى مراوحة العديد من مؤسسات البلاد أمام طريق مسدود، ومن بينها الهيئة العامة التي أوكلت إليها مهمة إنقاذ المواقع التاريخية.

وعلى غرار هيئات حكومية أخرى، تفتقر إلى التمويل اللازم.

وانعكست حالة اليأس المتزايدة بشكل قاتم في نيسان/أبريل الماضي، عندما راح أكثر من 80 شخصا ضحية تدافع حصل عند مركز لتوزيع الأموال بمناسبة شهر رمضان في إحدى مدارس المدينة القديمة.

وبلغت قيمة المساعدة النقدية 5000 ريال يمني، أي ما يعادل 8 دولارات تقريبا.

ʼسنتعافىʻ

وبغض النظر عن هذه التحديات، لا يزال السكان المحليون يأملون بإعادة إحياء أمجاد المدينة القيمة.

وفي هذا السياق، قال عبد الله عصبة، 28 عاما، وهو يشير إلى رفوفه المليئة بالطماطم والكرات والريحان، "كانت هذه المزرعة سابقا أشبه بالجنة... كان يستحيل المشي عبرها بسبب الأعشاب. كان الخضار منتشرا في كل مكان قبل الحرب".

ويقع الحقل بالقرب من مبنى دمرته غارة جوية في عام 2015، ولكن عصبة، الذي عملت عائلته على زرع المحاصيل فيه منذ عقود، قال إنهم "يحاولون إعادة تأهيله خطوة بخطوة".

وفي الإطار نفسه، يعمل صلاح الدين بالقرب من بوابة اليمن التاريخية في متجر لبيع الزيوت العلاجية التقليدية، وذلك تحت صورة للرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتيران خلال زيارة أجراها للمدينة القديمة في تسعينيات القرن الماضي، وهي فترة كان يكثر فيها الأجانب في المدينة.

وعبّر عن ثقته بأن تلك الأيام ستعود، مقارنا المدينة القديمة بمريض في مستشفى.

وقال "ستتعافى عاجلا أم آجلا. الحرب مرض، لكننا سنتعافى".

هل أعجبك هذا المقال؟


يرجى إدخال الأرقام *